أزمة غذاء عالمية في الأفق
بدأت تأثيرات أزمة الطاقة التي تضرب أوروبا في التسرب لخارجها إلى أقاليم العالم المُختلفة، وخاصة إلى منطقة جنوب شرق أسيا المُكتظة بالسُكان والمصانع معًا، ففي الهند والصين وحدهما يوجد أكثر من ثُلث سُكان العالم، كذلك تخرج منهما نحو خُمس صادرات العالم الزراعية والصناعية، ولذلك فإن تمدد أزمة الطاقة إلى ذلك الإقليم سيحولها إلى أزمة غذاء ستطال أو من تطال سُكان دول الفقيرة والنامية.
ففي الصين ارتفع عدد ساعات انقطاع التيار الكهربي بشكل مُتزايد في ولايات الجنوب الشرقي الصناعية، -حتى قبل حلول فصل الشتاء- بسبب انخفاض امدادات الغاز الوارد إلى البلاد، في ذات الوقت الذي تتخلى فيه الإدارة الصينية عن الفحم كمصدر رئيسي لإنتاج الطاقة، وذلك تحقيقًا لأهداف المُناخ عام ٢٠٦٠، حيث إن اتجاه الحكومة ل"تخضير" مزيج الطاقة أدت إلى انخفاض الكميات المُنتجة من الفحم.
ومع انخفاض إمدادات الغاز الواردة في ظل ارتفاع الطلب العالمي، ارتفعت أسعار الفحم، كحل وحيد باقي لمواجهة الأزمة، لكن السياسات الخضراء الصينية، كانت قد اتجهت إلى شراء الكهرباء المولدة من الفحم بثمن أرخص من تلك المولدة من المصادر الأخرى، الأمر الذي أدى إلى إحجام محطات توليد الكهرباء عن شرائه، مما دفع بالحكومة إلى التدخل من جديد برفع أسعار الطاقة المولدة من الفحم، بالإضافة إلى رفع انتاج الفحم داخليًا.
لكن حتى تدخل الحكومة يواجه تحديات تتعلق بعنصر العمل، فيما تواجه الواردات من الدول المُجاورة عراقيل لوجستية، حيث أخرت الأمطار الإنتاج من إندونيسيا، وتُعيق قيود النقل بالشاحنات الواردات من منغوليا، لذلك انخفضت المخزونات من مُستويات تكفي ٢٥ يوم عمل في شهر سبتمبر ٢٠٢٠ خلال العام الماضي، إلى نحو ١٣ يومًا في ٢٠٢١، أما في الهند فانخفضت من ٢٠ يومًا إلى ٣ أيام في بداية أكتوبر، هذا النقص من إمدادات الطاقة أدى إلى انقطاعات مُتكررة للكهرباء تضرر على إثرها نحو 44٪ من النشاط الصناعي الصيني،
اانقطاعات الكهرباء عن المصانع وارتفاع أسعارها، مُضافًا إليهما ارتفاع أسعار الغاز كمُدخل إنتاج أساسي في صناعة الأسمدة، دفعت بأسعار تلك الأخيرة إلى ارتفاعات كبيرة مع انخفاض في الكميات المُنتجة منها في السوق المحلية الصينية، ما دفع بالحكومة إلى إصدار قرار بخفض الصادرات تدريجيًا مُند بداية أغسطس والاتجاه إلى وقفها حاليًا مع تفاقم الأزمة.
وتعتبر الصين هي أكبر مُصدر للفوسفات في العالم، وكانت قد صدرت ما إجماليه 3.2 مليون طن من سماد ثنائي فوسفات الأمونيوم، بالإضافة إلى 2.4 مليون طن من اليوريا في النصف الأول من هذا العام، انخفاض الكميات المُصدرة من الصين رفع الأسعار في الولايات المُتحدة، لتتداول العقود الآجلة لليوريا عند 680 دولارًا للطن يوم الخميس الماضي، بزيادة 168.2٪ عن مستوى 253.50 دولارًا في 31 ديسمبر.
الولايات المُتحدة الأمريكية هي أحد أكبر مُصدري الغذاء العالميين، وارتفاع أسعار الأسمدة بهذه المستويات في السوق الأمريكية سيؤدى إلى ارتفاع أسعار صادراتها مما سيرفع أسعار بعض أهم السلع الغذائية الأساسية وخاصة القمح والذرة وفول الصويا، وهو ما سيزيد أسعار الغذاء اشتعالًا، إذ كانت أسعارها فعلًا تحقق قفزات بسبب الطلب الزائد، على إثر إجراءات تخفيف القيود وفتح إغلاقات كورونا.
الارتفاعات في الأسعار العالمية بدأ صداه يُسمع مُبكرًا في مصر، إذ سجل معدل التضخم السنوي العام بالمدن المصرية أعلى مستوياته خلال تسعة أشهر في أغسطس إلى مُعدل 5.7%، مقارنة بـ 5.4% في يوليو، خصوصًا بسبب الارتفاع في أسعار المأكولات والوقود والنقل. هذه المُعدلات كانت سترتفع بمُستويات مُضاعفة لولا المشروعات اللوجستية التي تبنتها الإدارة خلال السنوات السبع الماضية، وخصوصًا المشروع القومي للصوامع، ومراكز تخزين السلع الغذائية في جميع الأقاليم المصرية، وأخيرًا مشروعات تطوير أسواق الجُملة التي يجرى الإعداد لها حاليًا، لكن لهذا حديث أخر.