رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفريق الشاذلى.. سيرة قائد عسكرى فذ

فى السنوات الخمس الأخيرة، وبمجموعةٍ رائعة من الأعمال رفيعة المستوى والمقام والقيمة، أعلن مصطفى عبيد عن نفسه بقوة فى الحياة الثقافية المصرية، كمؤرخ رصين ومقتدر، ومترجم واعٍ غير هيّاب ولا وجل، وكباحث ممتاز، إذا قرر تتبع مسألة أو شخصية أو قضية تاريخية «وطنية»، فإنه يأتى «بقرارها»، ولا يخالجك كقارئ معجب بأعمال وتأليف مصطفى أدنى شك فى أنه بذل أقصى جهده، ولم يدخر وسعًا للإحاطة الكاملة بهذه القضية أو تلك. 

لا مثيل لإخلاص وطيبة ومودة ودأب صديقى المهذب الودود خفيض الصوت مصطفى عبيد؛ الصحفى «المرموق» و«القديم» و«المخضرم» فى واحدة من أعرق صحفنا الحزبية على الإطلاق «الوفد». 

ويكفى أن أشير إلى الاستقبال الحافل لترجمته التى أنجزها لمذكرات توماس راسل حكمدار أمن القاهرة، وأثارت من النقاش والمقالات المحللة للمذكرات والقارئة لها دون أن تخفى إعجابها بهذا العمل المهم، وكذلك بكتابه «سبع خواجات» الذى نال إشادة كبيرة واهتمامًا ملحوظًا لأهمية موضوعه، وجدة التناول وبراعة العرض وكلها فى النهاية تؤشر على رصانة وثقافة من يقوم باختيار مثل هذه الموضوعات المهمة، بل فائقة الأهمية كى يقدم فيها إسهامه الجاد والمحترم.

بإعجابٍ حقيقى لم يفارقنى طيلة ما استغرقته من وقتٍ فى مصاحبته ومعايشته، قرأت كتاب مصطفى عبيد الجميل المدهش عن القائد العسكرى الفذ الفريق سعد الدين الشاذلى أو كما أطلق عليه «العسكرى الأبيض». ذلك القائد العسكرى الأسطورة الذى يقول عنه محمد حسنين هيكل فى كتابه «على مفترق الطرق» إنه التقاه وسمع منه «القصة الكاملة للقلب والعقل المصرى، واقفًا وجهًا لوجه أمام مشكلة العبور من الدقيقة الأولى فى المسئولية إلى الساعات التى أصبح فيها العبور ملحمة بطولية من أمجد ما شهد تاريخ مصر وتاريخ العرب».

ورغم أن كتاب «عبيد» ليس صغيرًا فهو يقع فى ٣٢٨ صفحة من القطع المتوسط أو الأقل منه قليلًا، فإنه ممتع للغاية وسلس وجذاب للدرجة التى يمكن أن تنتهى منه خلال ليلة واحدة أو اثنتين على الأكثر.. أربع طبعات كاملة صدرت من هذا الكتاب على مدار السنوات التسع الماضية «كان أولها مطلع ٢٠١٢.. وكان آخرها فى ٢٠٢١» ما يعنى استقبالًا محتفيًا بكتابٍ سِيرىٍّ منضبط يؤرخ لأحد أبطالنا الحقيقيين الذين أسهموا وشاركوا بالتخطيط والإعداد والترتيب لصنع نصر أكتوبر ٧٣، ملحمة الشرف والكرامة التى لا تنسى. 

لم يتسنَ لى الاطلاع على الطبعات السابقة، وجاءت الطبعة الرابعة الأنيقة عن دار الرواق فى ٢٠٢١ لأسعد بقراءتها، وأبتهج حقيقة بإعادة التعرف على جوانب سيرة بطل من أبطالنا الأشراف أصحاب المجد والخلود.

من أمارات الصدق والإخلاص فى الكتابة أن تصلك شحنة المؤلف العاطفية «دون إسراف» تجاه موضوعه، حبًا أو بغضًا، شغفًا أو فضولًا، امتنانًا أو أداء واجب.. إلخ، وهو يتحدث عن القائد الفذ النبيل. 

وقد وصلتنى شحنة عاطفية نبيلة وأصيلة تجاه الرجل الذى حظى فى حياته باحترام حقيقى وشعبى وجماهيرى رغم كل ما ناله من ظلم وعدوان، ودفع دفعًا للعيش سنوات طويلة فى عزلة مفروضة عليه كالسجن، وزادت شعبيته وجماهيريته ومحبته فى القلوب بعد مماته فى ٢٠١١.

بِطَاقةِ حبٍّ وتقدير وإنصاف مخلصة، يكتب مصطفى عبيد السيرة التفصيلية التى تحكى حياة الفريق سعد الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى حرب أكتوبر المجيدة سنة ١٩٧٣، أعماله، معاركه، أفكاره، خططه، وتصوراته الاستراتيجية، فضلًا عن الإطلال على جوانب مختلفة من حياته الشخصية.. وصاغ فصول السيرة فى ٢١ فصلًا ذيلها بقائمة مكثفة للمصادر والمراجع. 

لم يترك «عبيد» تفصيلة يمكن إيرادها فى كتابه «بعد توثيقها وإسنادها» إلا وكدَّ فى إثباتها فى موضعها من فصول السيرة والتاريخ الوطنى والشخصى للفريق الشاذلى، ولا أنكر أننى أحب مصطفى على المستوى الإنسانى والمهنى، وأحببته أكثر بعد قراءتى لهذا الكتاب الذى يستحق أن يكون فى أعز مكان وأجله من مكتبتنا التاريخية الوطنية المعاصرة، وبالأخص مكتبتنا من بطولات المعارك والحروب وأصحابها وما أكثرهم.