هل لكم حقًا فى رسول الله أسوة حسنة؟
وقائع التحرش وما تتعرض له الإناث من منغصات على اختلاف أشكالها وأنواعها وتعليقات دواعش الروح والفكر والقلب واللسان ومحاولاتهم المستميتة والمدهشة دومًا لتبرير تلك الوقائع تحت دعاوى ستر المجرم، لأنه مسلم أو له زوجة محجبة أو منتقبة أو أنه - قد حج بيت الله الحرام - هذا من جانب، ومن جانب آخر قد يرى هؤلاء أن ملابس الأنثى - حتى وإن كانت طفلة - مبرر لتلك الجرائم ويتساءلون: كيف لطفلة أن يتركها أهلها تسير في الشارع مرتدية سروالًا أو فستانًا، وأحيانًا تتشظى التعليقات لهجاء وتجريح من يفضح الوقائع أو يكشفها بالكاميرات - وحدث ذلك مع سيدتين تم نعتهما بالسافرتين اللاتي لا يرتدين الحجاب في دولة إسلامية بعد أن كشفن عن هوية متحرش.
وبالطبع كل تلك التعليقات موثقة ويمكن الرجوع إليها والتحقق منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ومن ثم فعلى القائمين على تتبع ودراسة أحوال المجتمع وقاطنيه دراسة وبحث واستنباط ما تنبئ به مثل تلك الظواهر ودراسة تلك التعليقات والتصدي لها بقوة القانون ليعلم ويدرك صناع القرار في بلادنا أننا على مشارف كارثة وأنه على المشرع النظر بجدية ومراجعة مواد الدستور التي يتكئ عليها هؤلاء في تبريرهم لتعليقاتهم المنحطة وأخص بالذكر وأقصد وبالتحديد (المادة الثانية) من الدستور المصري والتي تقول بأن مصر دولة إسلامية!
فالدول والأمم والممالك المتمدينة لا دين للأغلبية فيها، ومصر دولة مواطنة وليست دولة إسلامية والحجاب ليس فرض عين على المرأة المسلمة، أما التحرش والاغتصاب فهي جرائم تمامًا كجريمة الختان وغيرها من الجرائم التي ترتكب في حق الإناث اللاتي يتم انتهاكهن بشكل ممنهج في الكثير من الأحيان، ويكون استغلال الأطفال بأي شكل من الأشكال جريمة مكتملة الأركان تمامًا كاستغلال عوز الفقراء.
وقد سبق لي وكتبت على صفحات هذه الجريدة الموقرة وفي موقعها الإلكتروني مقالين عنوانهما (إلغاء المادة الثانية من الدستور) و(الكشك وبير السلم) وتحدثت عن بدعة أكشاك الفتوى التي أحمد الله على العدول عن تطبيقها، فما أكثر الفتاوى التي قسمتنا وقضت على سلمية وسلام المجتمع وسلام أفراده الروحي والنفسي والعقائدي، وما أكثر الحكايات التي امتلأت بها ذاكرتنا ووعينا المعرفي عما يدور في الخفاء وتحت بير السلم وكل ما يحدث وتكشفه الكاميرات أحيانًا - وربما تكون تلك هي أحد محاسن التكنولوجيا - ومحاسنها قليلة - لكنها تثبت جرائم المتحرشين، وتكشفت للعوام ما وصلنا إليه من انحطاط وكبت وزيف واختلال في المعايير ونفاق من يكدسون صفحاتهم الشخصية في العوالم الافتراضية بصور الحج والعمرة والآيات القرآنية والأحاديث النبوية - التي تبرأ النبي من غالبيتها ورفض تدوينها - بعد أن تقول الكثيرون عليه وتنبأ هو بذلك وحذرنا منه ونلحظ - وخصوصًا في الآونة الأخيرة- كراهية وإدانة مجانية أكيدة لمخلوق خلقه الله وكرمه ونهى عن إهانته وهو مخلوق اسمه (الأنثى) التي يرغبها ويرهبها هؤلاء.
لذلك فهم مستمرون في ممارسة شتى أنواع الإرهاب والإقصاء ضدها وعبثوا بها وبحيواتها وملابسها وعملها وتدخلوا في كل تفصيلة من تفاصيل حياتها، فتكبدت ما تكبدت وما زالت تتكبد، فعندما تظهر الأنثى (المرأة - الزوجة - الابنة - الأم - الأخت) في أي مكان يتم دومًا العبث بها كلما استطاعوا لذلك العبث سبيلًا، وتحملت الإناث في بلادي ما لا يحتمل على مدار سنوات، فشقيت كما يشقى هؤلاء الذكور من مجرد فكرة وجود الأنثى وهم عاجزون عن إمتاعها أو إمتاع أنفسهم في المطلق.
نعم المتحرشون عاجزون ومكبوتون يشتهون الإناث فتدفعهم تلك الشهوة لكراهية أولئك الإناث واحتقارهن لأنهم في الأصل يحتقرون أنفسهم ويستحون من عجزهم وكبتهم الذي لا براء منه ويكرهون الحياة ولا يعرفون سوى القبح ويعادون الجمال والبراءة والنقاء، وكل ما هو جميل وأصيل ويتذرع هؤلاء دومًا بذرائع تجعل الأنثى مجرد متاع للرجل ليس إلا أيًا كان عمر تلك الأنثى (شهورًا أو سنين) فالصغيرة تجوز مفاخذتها والعبث بجسدها لإمتاع الذكر!
وهكذا انتهكت طفلة المعادي وتم العبث بجسدها الضعيف ومن قبلها اغتصبت طفلة المنصورة (فتاة البامبرز) واغتصبت الطفلة (جنة) وشقيقتها وقتلت إحداهما على يد الخال بمساعدة الجدة بعد اغتصابها وكي وحرق مناطق حساسة في جسدها! وكتبت عن كل تلك المآسي والجرائم وما زال القوس مفتوحًا ليضم ضحايا جددًا من الإناث على اختلاف أعمارهم اتكاءً على ما ورد في أساطير الأولين التي عمدًا يساء تأويلها، وصار ما اصطلح على تسميته (مفاخذة الصغيرة عندما تطيق)! من شيم الذكور ومن حقوقهم المكتسبة وكأن الإناث اختفين من على ظهر الأرض كي يعبث هؤلاء المجرمون بالأطفال لأنهم متدينون لا يزنون مع السيدات! هم فقط يعبثون ويتحرشون بالأطفال مستغلين براءتهم وفقرهم وقلة حيلتهم وانعدام وعيهم وإدراكهم.
وبالطبع سيتشدق المتحرشون ومن يساندونهم من دواعش الفكر بترهلات نسبوها زورًا لنبي الإسلام وزواجه من السيدة عائشة في سن صغيرة، وكأنهم بذلك يقتدون بالنبي ويتبعون سنته، وهؤلاء ما هم إلا حفنة من المدلسين الأفاقين الذين يمارسون الافتئات بتبجح يحسدون عليه، لأنهم ينتقون من سيرة النبي ما يحقق لهم ما يريدون، في حين أنهم يتركون ويغمضون الطرف عما جاء أيضًا في سيرته، فالشق الذي يتغاضون ويتغافلون عنه دومًا لا يحقق لهم مآربهم.
فالنبي قبل أن يتزوج من عائشة بل وقبل أن يتزوج من نسائه جميعًا قد تزوج ولأول مرة في حياته وهو في عمر الخامسة والعشرين من السيدة خديجة وكانت امرأة سبق لها الزواج قبله وكانت تكبره بـ١٥ عامًا -إذ كانت في الأربعين من عمرها- ولم يتزوج عليها حتى رحيلها.
فهل أنصار اتباع سنة النبي والسير على نهجه وجعله قدوتهم سيهرعون ويفكرون في الزواج من امرأة تكبرهم في العمر؟ هل سيسعى أو يسعد الأب أو الأم المقتدون بسنة النبي والسير على نهجه في تزويج ابنهم من سيدة تكبره بـ١٥ عامًا وقد سبق لها الزواج؟ فإذا كان لكم حقًا في رسول الله أسوة حسنة لماذا لا تقتدون به في زواجه من خديجة وترحبون كثيرًا وتهللون لزواجه من عائشة؟ ولأنصار التعدد أيضًا أسوة بزواج النبي من نسائه أذكر هؤلاء برفض نبي الإسلام زواج (علي بن أبي طالب) من امرأة أخرى إلا بعد تطليق ابنته (فاطمة).
فإن كنتم تحبون أحاديث النبي (الذي رفض هو بنفسه تدوينها) وأحيانًا تفضلونها على كلام الله (القرآن الكريم) والذي يقول لكم صراحة (ولن تعدلوا) فتختارون إذن الجور وأن تكونوا غير عادلين لزوجاتكم المثنى والثلاث والرباع، فقد نقلت لكم الأحاديث قول النبي الكريم (إنما فاطمة بضعة مني.. يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها) وكل من آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ورضيت بنبي الإسلام رسولًا وشفيعًا لها يوم القيامة هي أيضًا بضعة من النبي ومن يؤذيها فقد آذاه.
فهل سترفضون التعدد كي لا تكونوا ظالمين كما حدثكم القرآن؟ وكما صرح النبي بأن في التعدد إيذاءً لابنته؟ ومن ثم إيذاء للنساء والفتيات وهن أيضًا بضعة منه؟ أم ستغضون الطرف عن هذه وتلك؟ وتنظرون وتتشبثون فقط بزواج النبي من فتاة في التاسعة وتنسون أنه تزوج من سيدة في الأربعين من عمرها ولم يتزوج عليها ورفض إيذاء ابنته بقبول زواج زوجها عليها؟ منْ يقتد بالنبي ويرد أن تكون له فيه حقًا أسوة حسنة فعليه أن يقتدي به في كل ما فعل لا أن يقتدي به في الجانب الذي يتماشى مع أهوائه فقط، ويرفض الجانب الآخر لأنه لا يستهويه!
إن فعلتم ما فعله النبي مع السيدة خديجة وفاطمة بنت محمد يكون لكم حقًا في رسول الله أسوة حسنة.. فهل حقًا لكم في رسول الله أسوة حسنة؟