مثقفون: الكتاب الورقي لن يزول لكنه يلاقي منافسة شرسة من الإلكتروني
قبل أن تظهر ثورة الاتصالات وعالم تكنولوجيا المعرفة، كان الكتاب الورقي ومنذ رحلته الأولى كرسومات بدأت بالكتابة المسمارية في بلاد ما بين الرافدين، مرورًا بأوراق البردي وجلود الحيوانات، وصولاً إلى ثورة الطباعة والمطبعة علي يد الألماني يوهان جوتنبرج، ليتبادر إلى الذهن تساؤلاً في الشارع الثقافي: "هل الكتاب الورقي في طريقه إلى الزوال؟ الــ"الدستور" استطلعت آراء عدد من الكتاب والمثقفين حول هذا الأمر.
بداية يقول الشاعر صالح الغازي: الكتاب الإلكتروني ينقسم إلى كتاب مسموع وكتاب مقروء، أما الورقي فهو الشكل التقليدي المتعارف عليه، وعن تفضيلي الشخصي فهو أولا الكتاب المسموع، ثانيا الكتاب الورقي، أما الواقع فأغلب القراءات تكون ورقية لعدم توفر المسموع في الكتاب العربي، لكن للموضوع أبعاد أخرى يجب اعتبارها البعد الأول : الجيل الحالي من الشباب وطبيعة العصر والتطور التكنولوجي يفرض الثقافة الرقمية، ويلزم ذلك وجود استوديوهات تسجيل احترافية لتوفير كتاب صوتي ومنصات رقمية عربية لعرض وبيع الكتاب الرقمي، فالمنصات تمتلكها شركات أجنبية أي أنها تستحوذ على السوق وعلى المحتوى وأنك تخضع لقوانينها وارادتها الفكرية وسياستها في إدارة محتواك طبقا لسياسة الخصوصية الخاصة بها.
وهذا يقودنا للبعد الثاني: وهو أنه يجب توجيه الاستثمار في الصناعات الثقافية، في سبتمبر الماضي حضرت حلقة نقاشية دعت لها مديرة مكتبة الكويت الوطنية الشيخة (رشا الصباح) عن الاستثمار في الصناعات الثقافية والابداعية وكانت من أبرز التوصيات الربط بين تقنية المعلومات والصناعات الثقافية، و أن أعلى الشركات دخلا في العالم هي شركات استثمار رقمي/ ثقافي، مثل جوجل وأمازون.
أما البعد الثالث هو أن التحول الرقمي أصبح المنقذ الوحيد لصناعة النشر مثلا ورد في تقرير الاتحاد الدولي للناشرين عن جهود التصدي لكورونا والذي أشرفت عليه رئيسة الاتحاد الشيخة "بدور القاسمي" أن من سمات الأسواق التي يصعب التعافي من آثار الجائحة هي التي لا تعتمد على النشر الرقمي، وحضرت مؤتمر اتحاد الناشرين العربي برعاية رئيس الاتحاد محمد رشاد والذي عقد في ديسمبر 2020 كانت المناقشات تدور حول هيكلة صناعة النشر وتأهيل الناشرين للبدء في التحول الرقمي.
ــ الكتاب الورقي في زمنه الأخير
وبدوره قال الكاتب حسام المقدم: لن أكون رومانسيا وأدَّعي التمسُّك بالكتاب الورقي، سواء بدافع التعوُّد الطويل، أو الحنين إلى جلسة حميمة مع كتاب وفنجان قهوة، يُمكنني أن أعيش ذلك كله مع كتاب إلكتروني على تليفوني أو أمامي على شاشة اللاب. الكتاب الورقي في زمنه الأخير، وكل ما هو ورقي مثل الجرائد والمجلات يمشي إلى نفس المصير. والسؤال هو: إذا كانت أحدث وأروع وأعظم الكُتب متاحة لي وأستطيع تحميلها " pdf " في لحظات؛ لماذا الورقي في هذه الحالة؟ ما الذي يهمني؟ مزاجي وقعدتي أم مُتعتي وفرحي وتوقي الدائم إلى المعرفة والقيمة التي تُقدم نفسها لي؟ هل نسينا زمن الكتب الورقية والعذاب من أجل الاستعارة من بعضنا أو الوقوف أمام وجوه أُمناء المكتبات؟ وكم مرة شاهدنا كتابا رائعا ثم مضينا بسبب ارتفاع ثمنه؟!.
تابع "المقدم": يبقى الكتاب الورقي طالما كان مُتاحا وفي إمكاناتي المادية، أما الإلكتروني فهو متاح دائما، وهنا ينبغي الكلام عن جانب الحقوق المادية للمؤلف ودار النشر، لأن معظم عمليات التحميل تكون على سبيل القرصنة الجميلة بالنسبة لنا كقُرّاء، والضارة جدا بحقوق الكاتب وجهة النشر، لذلك لابد من تنظيم الأمر بأي شكل قانوني، إلى يأتي الزمن القريب جدا، والذي سيكون فيه الكتاب الإلكتروني هو الموجود فقط دون وسيط ورقي.
ــ القراءة الإلكترونية قد تكون ممتعة في حال التعامل مع النصوص القصيرة
ومن جهته قال القاص شريف محيي: إن قراءة الكتاب الورقي تختلف كثيرا عن الكتاب الإلكتروني، فلا ريب أن متعة القراءة الورقية لا يعادلها شيء سواها، وذلك على الرغم من تمتع القراءة الإلكترونية ببعض المزايا منها سرعة الحصول علي الكتاب، وسهولة حمله على فلاشة صغيرة، أو حتى على المحمول، كما يسهل الحصول على الكتاب الإلكتروني باستخدام الإنترنت، مما يغني عن مشقة البحث في المكتبات الورقية.
وأوضح "محيي": القراءة الإلكترونية، قد تكون ممتعة في حال التعامل مع النصوص القصيرة، بينما تقل المتعة مع طول النص..في الواقع إن القراءة الورقية تمنحني حالة خاصة من بهجة التوحد مع الكتاب، هذه الحالة ربما لا تتولد إلا مع الإحساس بالورق نفسه، وبهجة ألوان الغلاف وملمسه، بل وربما رائحته الخاصة جدا.
إن الكتاب الإلكتروني يبدو في نظري وكأنه يعاني من فقدان شيء ما، ربما تلك الحميمية الغامضة، حيث تتقلص مساحات كبيرة من متعة التلقي، وحيويته.
وقال الروائي يحيي صفوت: الكتاب الورقي بالطبع، وهو في طريقه إلى العودة بقوة. قوة التجربة ومدى تأثرك بها تزيد مع عدد الحواس التي تتفاعل معها. فالعين تقرأ والأنامل تلمس والأنف تشم رائحة الورق والأذن تسمع تقلّب الصفحات، كلها أشياء تثري التجربة وتغمرك فيها.
أما الروائي الدبلوماسي محمد توفيق فيذهب إلي: أعتز بكتبي الورقية، خاصة التي جمعتها في مرحلة الشباب المبكر، لكن بعد أن اكتظ البيت بالكتب أصبحت أميل للإلكتروني، وهو التوجه الذي تعزز بتطور إمكانات الكتاب الإلكتروني، ويهمني تحديدا أنه يتيح التحكم في حجم الخط ومستوى الإضاءة لتحقيق راحة العين، وأظن أن الكتاب الإلكتروني سيكتسح سوق النشر مع استمرار الكتاب الورقي لنوع من القراء.
بينما يرى الروائي الشاب ولاء كمال: الورقي طبعاً، ولكني كنت من أوائل من تبنوا الكتاب الإلكتروني -اشتريت قارئ إلكتروني منذ عشر سنوات- لأن كم الاحتمالات المتاحة لك مهول، وليس لدي أي موقف ضده، ولكن الكتاب الورقي أكثر راحةً للعين، وفيه مصداقية وحميمية لا يمكن إنكارها. اقرأ مستخدماً أي شيء وكل شيء، المهم أن تقرأ.
وقال الروائي تامر شيخون: أعشق رائحة الطباعة ومسكة الكتاب ولا ارتاح للإلكتروني. لكن للأسف المستقبل للكتاب الرقمي أو الإلكتروني .لن أقول أن الورقي إلى زوال لكن حصته السوقية للأسف ستنهار "مع الأجيال القادمة" لصالح النسخ الرقمية والإلكترونية والاستماعية.
ويرى الكاتب مينا عادل جيد: كلما أتت سيرة الكتاب الورقي والإلكتروني مع كل التقدير للحديث الدائر عن حقوق الملكية الفكرية للكتاب الإلكتروني والمقرصن، أنا لم أكن أعرف مكان مكتبات في المنيا وأنا صغير أظن لم يكن يوجد مكتبات، وأرجو أن تضع في ذهنك العزلة الثقافية التي كانت الكنيسة، ومازالت، تصنعها بحسن على عقول الأقباط، فما خارج سور الكنيسة هو من الشرير، تربيت في بيت في المنيا غير مهتم بالكتب، فأنا أول قارئ في أسرتي، ولم تكن هناك مكتبة في بيتنا إلا بعض النبذات أو الكتيبات الصغيرة التي تحكي قصص معجزات وسير قديسين، هذه هي فقط الكتب الورقية التي كانت متاحة، ثم دخل الكومبيوتر متأخر وتأخر أكثر منه الإنترنت، وهنا تقابلت لأول مرة مع الرواية والكتاب غير الديني، أول كتاب إلكتروني كامل قرأته كان رواية (نائب عزرائيل ليوسف السباعي)، ثم بدأت رحلتي الحقيقية مع القراءة وأنا في المنيا مع الكتب الالكترونية ولم أعرف سواها، أتذكر منهم أعمال نجيب محفوظ عن مصر القديمة والمسيح يصلب من جديد لنيكوس كازانتزاكيس، وغيرها الكثير، أنا لولا الكتاب الإلكتروني، أنا أدين بالفضل الأول في تكوني المعرفي وتدريب ذائقتي الفنية والتواصل مع الوسط الثقافي للإنترنت. أنا لم أمر مثل القاهريين من أبناء جيلي والجيل الذي يسبقني بأحمد خالد توفيق ونبيل فاروق في طفولتي ومراهقتي، فأنا مثلًا كل ما أسمع جملة "لقد جعل الشباب يقرأون" أظنهم يقصدون بها "الإنترنت" طبعًا.
وبدوره قال الكاتب محمد ندا: بالطبع الورقي هو الأفضل لي فجيلي تربى عليه. ورغم أن هذا الجيل هو الحلقة الوسطى بين الورقي والإلكتروني وأنه ربما الإلكتروني قد نما وانتشر على أيدينا لكن أعتقد أن متعة إمساك الكتاب بين الأنامل وطي الصفحات الواحدة تلو الأخرى لن تضاهيها متعة أخرى ولا أعتقد أن الكتاب الورقي سيزول ربما يتقلص انتشاره في المستقبل لكن سيبقى لمدة طويلة جدا .