شهادة شادى عبدالسلام عن حرب أكتوبر
ينصب التركيز على شادي عبدالسلام في فيلم "المومياء" مع تجاهل أفلامه التسجيلية الهامة والتي من بينها فيلم "جيوش الشمس" الذي سجل فيه شادي عبد السلام رؤيته لحرب أكتوبر، والذي يفتتح بإهداء من شادي عبد السلام باسم وزارة الثقافة التي قامت بإنتاج الفيلم من خلال "وحدة الفيلم التجريبي" التي كان يرأسها شادي عبد السلام : "وزارة الثقافة تقدم الشكر للقوات المسلحة المصرية (جيوش الشمس) وهو اسم الجيش المصري منذ أكثر من 7000عام و مقره سيناء أرض الزمرد"
الفن كمقاومة للهزيمة في تجربة شادي عبد السلام:
من المدهش في تجربة شادي عبد السلام كمخرج سينمائي أنها وليدة لحظة الهزيمة في 1967 وفي نفس السنة بدأ تصوير فيلم "المومياء" في مطالبة منه لكل مصري بمراجعة سؤال الهوية وبالمحافظة على أرضه وإرثها الحضاري الكبير، وبعد "المومياء" 1969 انتهى من فيلمه القصير "شكاوى الفلاح الفصيح" والذي هو أنشودة سينمائية عن العدل من خلال حكاية الظلم الذي وقع على أحد الفلاحين ما دفعه بالشكوى للحاكم الذي طالب بتدوين شكاولى الفلاح قبل أن يعيد إليه حقه و يخلد شكواه لتكون أنشودة عظيمة في إقامة العدل، وسنة 1972 قدم لنا فيلمه التسجيلي "آفاق" وعن صنعه يقول "كانت البلد في حالة حزن بسبب النكسة ووجدت أن الذي يقوم بالنشاط الثقافي إلى جانب الهيئات أفراد أو أطفال وبدأت اكتشف أن هناك حياة تدور رغم الكابوس" . كانت رسالة الفيلم التي أراد شادي التعبير عنها حسب قوله أن "القاهرة بناسها تحيا رغم كل شيء وتتنفس الثقافة والفن." في إشارة للدور الهام الذي يلعبه الفن والثقافة في حياة المصريين.
تجربة شادي في خلال السنوات الست التي شهدت ذروة تجربته السينمائية كانت تجربة للإنكار والمقاومة . إن روح شادي المقاتل كانت ترفض الهزيمة وعن ذلك يذكر في حوار له مع الناقد سامي السلاموني " أذكر أنني عندما كنت أحلق ذقني كل صباح كنت فعلاً أتحاشى أن أنظر إلى وجهي في المرآة" فوجهه كان يذكره بالهزيمة لكن آلاف السنين التي تمتد وراءه مازال بإمكانه أن يستند إليها ليستطيع القيام من جديد وتلك الرسالة التي تأتينا في افتتاحية فيلم "المومياء"
"يا من تذهب ستعود
يا من تنام سوف تنهض
يا من تمضي سوف تبعث
فالمجد لك
للسماء وشموخها
للأرض وعرضها
للبحار وعمقها."
هذه الرسالة التي تفتح فيلم المومياء هي الرسالة التي يستحضرها شادي عبد السلام بعد انتصار السادس من اكتوبر 1973، و كأنها لحظة ميلاد وبعث جديد للمصريين.
جنود الشمس وقصيدة سينمائية عن الانتصار:
ونستعيد مع شادي ذكرياته عن لحظة النصر إذ يقول حسب كلماته التي حققها الأستاذ مجدي عبد الرحمن " اكتشفت أنني لم أكن أحيا، كنت ميتاً، هناك تعثر على حقيقتك وتتحسسها ممتدة موغلة في الزمن... أربعة آلاف، خمسة آلاف عام. هناك ترى جنوداً مصريين، مصريين حقاً كأنما التاريخ يندفع أمامك حياً لاهثاً. شيء لا يمكن أن يوصف".
وعن لحظة ميلاد الفيلم يذكر شادي " الفكرة التي كانت تستحوذ علي ساعة أن نشبت المعركة هي الرغبة في التطوع لكن سني لا تسمح و لم أعد صالحاً لحمل السلاح فحملت الكاميرا وذهبت إلى الجبهة. كان يغمرني الانفعال بالحماسة والسعادة حتى لم أدرك وجود الكاميرا معي إلا في اليوم التالي".
روح المقاتل عند شادي عبدالسلام ممتدة منذ أن كان جندياً في الجيش المصري سنة 1955 بعد تخرجه فى كلية الفنون الجميلة قسم عمارة سنة 1954 حيث التحق بالجيش المصري في سلاح الصيانة بالعباسية والتي أعتبرها فرصته للتعرف على جميع طبقات الشعب، أن يكون واحداً منهم، وأن يتعود على النظام وقوة العمل الجسماني.
بروح المقاتل إذن حمل شادي عبد السلام الكاميرا إلى موقع المعركة. وفي لقطات مقربة لوجوه الجنود ينقل شادي تجربة الحرب من خلال رواياتهم الذين تظهر على وجوههم الفرحة برغم الإجهاد، وحسب تعبير شادي فإن الابتسامة هي أول مايقابلك في الفيلم، وكما في الدراما الإغريقية فإن في هذا الفيلم تسمع عن تأثير الحرب على الوجوه دون أن تراها. وهذا الاختيار هو اختيار جمالي وأخلاقي، إذ يدرك شادي عبدالسلام أنه لا توجد لقطات تسجيلية حقيقية للحرب يمكن الاستعانة بها فالحرب لم تكن موثقة سينمائياً، وهنا لا بد من طرح التساؤل الدائم عن لماذا لا نهتم بتوثيق حياتنا حتى في أهم أحداثها كالحرب.
وبرغم أنه صور اللقطات الأولى لفيلمه سنة 1973 لكن الفيلم لم يظهر للنور إلا في احتفالات أكتوبر بعد سنتين أي سنة 1975 " في كل مرة كنت أذهب فيها إلى هناك لأشهد العودة الحية لـ"جيوش الشمس" إلى مقرها القديم كنت أراجع المادة المصورة من جديد." يقول شادي ، والسبب في ذلك كان بحسب رأيه " كان لا بد أن يجيء التعبير مصرياً صميماً، كما كان العبور مصرياً صميماً".
ويستعين شادي عبدالسلام في الفيلم بالفنانة الراحلة نادية لطفي والتي تحاور الجنود والمصابين بابتسامة فخر على وجهها بما حققه هؤلاء الأبطال .
إذا لم تكن قد شاهدت "جيوش الشمس " من قبل فلا تتوقع أنه الفيلم الحربي الذي تنتظر مشاهدته بل هو أشبه بقصيدة سينمائية عن الحرب، فبينما يصور مثلاً لحظات بناء المجندين لكوبري خشبي لتعبر عليه الدبابات في الماء تنزل الكاميرا إلى الماء لنشاهد أسماك بحر سيناء، ولا يفوت شادي عبدالسلام لحظات تجمع لجموع من المصريين بجوار الدبابات ولعب الأطفال معها بينما نرى أحدهم يحمل دبدوباً، و كأن شادي يؤكد أن هؤلاء الأطفال هم جنود الشمس أيضاً وهم من سيدافعون عن تراب الوطن في المستقبل.
والمشهد الختامي للفيلم يتكون من لقطة عرضية على أسلاك شائكة هي العائق أمامنا نحو المستقبل قبل أن تثبت الكاميرا على وجه مجند متحفز للقتال ، يتبعها لقطة انتقال سريع من الليل إلى النهار لنشهد شروق الشمس على أرض سيناء المحررة قبل أن تنتقل الكاميرا في لقطة استعراضية من أعلى لأسفل لترينا شساعة الصحراء ولتذكرنا أنه ما زال لدينا الكثير لفعله.
ملحق الصور
شادي عبدالسلام بلبس الجندية 1955
لقطة من فيلم "جيوش الشمس"
لقطة من فيلم "جيوش الشمس"