أنواع الوعى
1
مجمع سكنى فى مدينة الشيخ زايد به مساحة جيدة من الأشجار والخضرة.. لكن أحد الجيران يقدم شكاوى متتالية لجهاز المدينة من أجل إزالة هذه الأشجار.. يقول فى شكواه إن الأشجار تضايقه، أو أن جاره زرعها فى الحديقة العامة دون تصريح.. هذا المواطن ليس لديه وعى بيئى ولا ثقافة بيئية.. هو لا يعرف أن الأشجار التى سعى لقطعها تمده هو وأطفاله بالأوكسجين النقى، وأنه محظوظ لأن هذه الأشجار تحيط به، وبأسرته، وأنه يجب أن يتعهدها بالرعاية ويشكر جاره على أنه زرعها.. هذا المواطن يفتقد الوعى بالبيئة وبأبسط المفاهيم عن الصحة والإعلام شريك فى هذا..
2
شارع الناصرية فى حى السيدة زينب.. الساعة الثانية صباحًا.. عدة محلات متجاورة تبيع فواكه اللحوم وتمد الموائد بامتداد الشارع.. مئات المواطنين والشباب عمومًا يجلسون ليتناولوا وجبة قوامها الرئيسى الدهون فى ساعات الليل الأخيرة وينصرفوا بعدها للنوم.. هؤلاء المواطنون يفتقدون لأبسط قواعد الوعى بالصحة الشخصية، وكيفية الحفاظ عليها، مستحيل أن يصحو إنسان ليمارس عمله فى الصباح بعد أن أدخل لجسده كل هذه الكميات من الدهون ثم انصرف للنوم، هذه الوجبة فى هذا التوقيت طريق سريع لأمراض القلب والشرايين والجلطات المبكرة..
3
هذا المواطن ليس مذنبًا لكنه لا يملك الوعى بما يفيده أو يضره، لا يملك الوعى بطريقة الحياة السليمة التى تجعله مواطنًا منتجًا مفيدًا لنفسه ولمجتمعه، بكل تأكيد فإن الإعلام شريك فى هذه الحالة من فقر الوعى أو فقر الثقافة.. مؤخرًا تحدث الرئيس السيسى كثيرًا عن «الوعى» وعن «الوعى الزائف» وهما تعبيران علميان لهما مفاهيم محددة، ربما كان الرئيس يتحدث فى قضايا سياسية مباشرة، لكن الوعى كل لا يتجزأ، ومن يملك وعيًا مستنيرًا بذاته وصحته والبيئة المحيطة به، سيملك نفس الوعى إزاء قضايا الاقتصاد والتنمية والسياسة، الوعى فى اللغة له تعريفات متعددة، لكن أقربها هو الفهم والحفظ، وعندما تقول عن شخص إنه وعى قضية معينة، فهذا يعنى أنه فهمها، وفى اللغة أيضًا نقول «وعى فلان الشىء» أى ضمه إليه وقربه منه، والمعنى واضح أيضًا.. المشكلة أن الدولة خلال الخمسين عامًا الأخيرة تقريبًا تراجعت عن تشكيل وعى مواطنيها، وتركت مساحة تشكيل الوعى للإسلام السياسى بمختلف تياراته وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، غياب مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والإعلامية عن ممارسة دورها أو تراجعها عنه، خلق حالة من الفراغ، ولنضرب مثلًا بطفل يذهب لمسجد الحى أو القرية ليقابله عضو فى جماعة الإخوان ويتعرف عليه، مهمة هذا الإخوانى هو أن يشكل وعى هذا الطفل ويصيغ معرفته بالعالم، فهو يقول له مثلًا إن العالم ينقسم لمسلمين وكفار.. وإنه لكى يكون مسلمًا صالحًا فعليه أن يفعل كذا وكذا.. وتبدأ الرحلة.. على العكس تمامًا لو أن المدرسة أو قصر الثقافة أو الإعلام أو الحزب يمارس دوره فيقول للطفل نحن نعيش فى مصر التى لها تاريخ كذا وموقعها من العالم كذا، وأهدافنا هى كذا وكذا.. وإنا لنا تاريخًا فى الفن والإبداع والثقافة.. إلخ.. المشكلة كما قلنا إن الوعى كل متكامل، وفى ظل ظروفنا الاجتماعية فالإعلام له دور كبير، فى صياغة وعى متكامل بالعالم، على سبيل المثال كان الإعلام فى الماضى يستضيف نجوم الطب ليحدثوا الناس عن الصحة، لكن هذا النوع تراجع لحساب البرامج الإعلانية التى تهدف لتلميع الطبيب الذى يدفع، وترويج طرق النحت والتجميل وشفط الدهون.. إلى آخر الأنشطة التجارية التى تهدف لجذب الأموال من جيوب الناس الذين يعاملهم الطبيب كزبائن وليس كمرضى، نفس الأمر ينطبق على الإعلام البيئى مثلًا، فلن تجد لدينا برنامجًا واحدًا فى كل قنواتنا يناقش قضايا البيئة المحيطة بنا رغم أهمية هذه القضايا وأهمية وعى المواطن بها، نفس الأمر ينطبق على البرامج الثقافية التى تراجعت حتى أصبح ظهور برنامج ثقافى واحد حدثًا يستحق التهنئة والإشادة، فى الماضى كان لدينا فى التليفزيون المصرى برنامج يغطى نشاط المسرح الجاد ثم تراجع هذا النوع، وظل هناك برنامج واحد فى التليفزيون المصرى يذاع فى ساعات الصباح الأولى.. من جهة أخرى سنجد إبداعًا وتفوقًا فى بث الوعى بخطر الإرهاب وبطولات من تصدوا له، وتوعية الجميع بالمخاطر التى عبرتها مصر.. وقد تمثل هذا فى أعمال مثل الاختيار ١و٢وهجمة مرتدة وغيرها، وما زال فى الطريق أعمال أقوى، ولا شك أن المواجهة مع الإرهاب قد أعطت أولوية للأعمال التى تنشر الوعى به وبخطورته، وهذا عظيم جدًا، ويجب أن يستمر لأنه خط مواجهة مباشر، لكننا فى نفس الوقت نحتاج لخط مواجهة غير مباشر، فنشر الثقافة والفنون بكل أنواعهما هو أيضًا وسيلة لمواجهة الإرهاب، ولعله من الغريب أننا نعانى من نقص فى جميع أنواع البرامج المتخصصة عدا البرامج الدينية التى لا تخلو منها شاشة من الشاشات رغم أن الموجود منها يكفى ويفيض.. ولكنها مخلفات السياسات الإعلامية فى الماضى التى علينا أن نتخلص منها ونحن ننظر للمستقبل أو هكذا أظن والله أعلى وأعلم.