«اضطرابات حادة ومضاعفات خطيرة».. «الدستور» تفتح ملف الزواج المبكر للأطفال
لم تعد قضية زواج الأطفال في مصر مجرد حالات فردية تحدث من حين لآخر، بل أصبحت ظاهرة مجتمعية خطيرة تتوغل داخل محافظات مصر، وقد تخرج عن السيطرة إذا لم تقف أمامها الحكومة المصرية بالمرصاد، وتلاحق المتورطين في حدوثها، وهذا ما حدث بالفعل خلال الآونة الأخيرة حين ألقت الأجهزة الأمنية القبض على ذوي عروسي طفلي منطقة الحوامدية بالجيزة بعد انتشار صور خطوبتهما.
أثارت صور الخطوبة جدلًا واسعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتعبر عن رفض المصريين لهذه الظاهرة الخطيرة، فهي لم تكن الأولى من نوعها، فقد تبين أن هناك 117 ألف طفل في الفئة العمرية من 10 إلى 17 عامًا متزوجون أو سبق لهم الزواج، حسب آخر مسح ديموغرافي صحي في مصر أعلن عنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وكشفت التقارير أيضًا أن محافظات الصعيد هي الأعلى من حيث معدلات الزواج والطلاق، لتأتي محافظات "مرسى مطروح وأسوان والبحر الأحمر وسيناء" في المعدل الأقل لزواج الأطفال في مصر، لذا تطرقت "الدستور" في السطور التالية لفتح هذا الملف الشائك، من خلال التواصل مع المسؤولين والأخصائيين لتوضيح آليات تحجيم هذه الظاهرة.
مؤسسة حقوق الطفل: نضع وحدة قانونية داخل ١٣ محافظة لمنع زواج الأطفال
طالب هاني هلال، مدير المؤسسة المصرية لحقوق الطفل المصري، في بداية حديثه مع "الدستور"، بتفعيل قانون يُجرم زواج الأطفال في مصر، وأيضًا تغليظ العقوبات على المأذونين المخالفين، موضحًا أن المؤسسة تتصدى لمشكلة زواج الأطفال من خلال امتلاكها لجان حماية الطفل، التي ترصد الانتهاكات الموجهة ضده، وإبلاغ المؤسسة عنها في جميع أحياء مصر.
وأشار إلى توافر وحدة قانونية داخل 13 محافظة، تهتم بقضايا الأطفال وعلى رأسهم إشكالية زواج الأطفال، حيث تتدخل قانونيًا ضد الأهالي التي تدفع بأبنائهم للزواج دون الوصول للسن القانوني؛ كونه يعتبر انتهاكًا لحقوق الطفولة ومخالفًا للقانون المصري.
وتابع: "هناك إشكالية في التفرقة بين الخطوبة والزواج، فالقانون المصري لا يوجد به نص يُجرم عقد الخطوبة بين الأطفال؛ لذا يندرج تحت بند تعريض الأطفال للخطر، ولكن تطرق الدستور إلى تجريم زواج الأطفال دون سن الـ18، لافتًا إلى أن المجتمعات الصعيدية والريفية هم الأكثر في إجراء الزواج المبكر، مرجعًا ذلك لأسباب متعلقة بالعادات والتقاليد الخاطئة التي تستهدف حماية شرف الفتاة والحفاظ على الميراث بتزويج الأطفال لأقاربهم.
وعن آليات مواجهة زواج الأطفال، أوضح أنه لابد من إصدار نص قانوني لتجريم الزواج وليس تجريم توثيق العقود؛ لكون النص القانوني المعمول به حاليًا بمثابة تجريم للتوثيق وليس تجريمًا للزواج نفسه، بجانب تعاون المؤسسات المدنية والدينية في تدشين حملات توعوية بمخاطر الزواج المبكر والعزوف عنه، مطالبًا بوضع تشريع قانوني يعاقب الأهل المقبلين على تزويج أطفالهم دون إتمام السن القانوني.
وأردف مدير المؤسسة المصرية لحقوق الطفل المصري: "ضرورة تعديل قوانين المأذونين وتغليظ العقوبات الواقعة عليهم في حالة مخالفتهم للقانون بشأن توقيع عقود زواج الأطفال دون توثيق لحين وصولهم للسن القانوني بالاتفاق مع أهالي الأطفال مقابل مبالغ معينة"، لافتًا إلى أن الزواج الشرعي غير الموثق في السجلات الحكومية يعد كارثة كبرى للزوجة؛ كونه يشكل ضياعًا لحقوقها وحق أطفالها في استخراج شهادات الميلاد؛ نظرا لعدم توثيق عقد الزواج.
التضامن: نزور الأهالي في منازلهم للتوعية من مخاطر الزواج المبكر
الدكتورة آمال ذكي، مستشارة برنامج وعي للتنمية المجتمعية بوزارة التضامن الاجتماعي، أوضحت في حديثها مع "الدستور"، أن برنامج وعي يواجه الزواج المبكر من خلال عدة محاور، منها الاتصال المباشر الذي يقمن به الرائدات الريفيات مع الأهالي في القرى التي تشهد ارتفاعًا كبيرًا في زواج القاصرات، وتفعيل دور وحدة تكافؤ الفرص بإدارة المرأة في جميع المحافظات؛ لرصد حالات الخطوبة المبكرة، وعقد زيارات لمنزل الأهل وإقناعهم بالتخلي عن فكرة الزواج المبكر وتوعيتهم بمخاطره الصحية والقانونية.
وتابعت “ذكي”: "تحرص وزارة التضامن على مواجهة زواج القاصرات بشتى الطرق، بلغ الأمر اشتراطها وصول الزوجة للسن القانوني وعدم زواج أحد أبناء الأسرة دون السن للحصول على دعم تكافل وكرامة"، فضلًا عن شن حملات توعوية وندوات جماهيرية تستهدف جميع محافظات مصر، لافتة إلى زيادة عدد الحملات التوعوية خاصة في قرى مبادرة "حياة كريمة"، في إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزيرة التضامن للنهوض بالقرى المصرية.
أما عن أسباب انتشار زواج الأطفال، أرجعتها "ذكي" إلى عدة عوامل متداخلة، سواء اقتصادية متمثلة في ارتفاع معدلات الفقر وعدم استقرار الأسرة ماديًا، أو اجتماعية متضمنة الخلافات الأسرية وعدم الاستقرار، أو أسباب ثقافية من خلال تبني مفاهيم وأفكار خاطئة عن الزواج المبكر للفتاة وارتباطه بالعفة والشرف والزواج المبكر للفتي وصلته بكثرة الإنجاب والعزوة، إلى جانب عدم توافر الوعي بمضاعفات الزواج المبكر لدى الزوج والزوجة، مشيرة إلى محافظات الوجه القبلي والبحري الأكثر في معدلات زواج القاصرات.
وأردفت مستشارة برنامج وعي للتنمية المجتمعية، أن الزواج دون الوصول للسن القانوني يشكل خطورة كبيرة على المجتمع المصري في كافة الأصعدة، منها مساهمته في تفشي الأمية بين الفتيات؛ لتفضيلهن الزواج عن التعليم، وزيادة خطر المشكلة السكانية؛ لكون الزواج الباكر ينجم عنه زيادة في معدل الخصوبة وبالتالي كثرة الإنجاب، بجانب ارتفاع معدلات الطلاق بين فئة الشباب؛ لزيادة العنف المنزلي والخلافات الأسرية الناجمة عن عدم فهم كلا الشريكين لبعضهما؛ نظرًا لصغر سنهما، بالإضافة إلى زيادة معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة أو احتمالية إصابتهم بالإعاقة؛ لعدم اكتمال النمو العقلي للأم، وبالتالي تحميل الدولة أعباء مالية للحصول على الأدوية.
أرقام خطيرة عن زواج الأطفال
أعلنت مؤسسة اليونسيف مؤخرًا، أن هناك 12 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم يتزوجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر كل عام، وإذ لم يتم تسريع الجهود لمناهضة الظاهرة، فإن أكثر من 120 مليون طفل وطفلة سيتزوجن بحلول عام 2030.
وفي تقرير آخر نشره البنك الدولي والمركز الدولي لبحوث المرأة، تبين أن البلدان النامية ستخسر بسبب زواج الأطفال تريليونات الدولارات بحلول عام 2030، لكن إن تم منع هذه الظاهرة سيكون هناك آثر إيجابي كبير على مصير هؤلاء الصغار في مستقبلهم ومستقبل أطفالهم.
وعلى المستوى المحلي، أكدت وزارة الصحة والسكان أن مصر تستقبل 200 ألف مولود كل عام نتيجة زواج الأطفال، وهو ما يمثل ظاهرة لها مشكلات صحية واقتصادية واجتماعية كبير، وكان قد استقبل خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفولة أكثر من 500 بلاغ لزواج الأطفال خلال النصف الأول من عام 2021، ما يسلط الضوء على انتشار الأزمة بشكل ملحوظ، وضرورة وضع قانون رادع لها.
قانوني: مشهد خطوبة طفلين الحوامدية أصابنا بالغثيان
ومن الجانب القانوني، أوضح المحامي أيمن محفوظ، أن ظاهرة زواج الأطفال أصبحت تتضاعف في مصر بطريقة ملحوظة، ويجب ردعها بأي طرق ممكنة، سواء على المستوى القانوني أو التوعوي داخل القرى المصرية التي تشهد أكثر نسبة من زواج الأطفال، ظنًا من أهاليها أنها عقيدة لابد منها بهدف تكوين "العزوة".
أما عن القانون الحالي، أشار "محفوظ" إلى أن القانون المعمول به حاليًا لردع زواج الأطفال يندرج تحت بند تعريض الطفل للخطر، والتي تنص من خلالها المادة 116 من قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008، بأن يعاقب كل من يرتكب انتهاك في حق الطفل بالحبس من 6 أشهر حتى 3 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 5 آلاف جنيه، بعد تحرير محضر رسمي من قبل الجهات المعنية بالأمر مثل المجلس القومي للطفولة والأمومة، بالانتهاك الذي يتعرض له الطفلين،ثم تحرك الجهات الأمنية لإلقاء القبض على ذويهما.
واستكمل: "نحن في حاجة ضرورية لتفعيل قانون يغلظ عقوبة زواج الأطفال في مصر بعقوبات رادعة، لترهيب الأهالي من خطر تزويج أبنائهم، بجانب الدور الكبير الذي يقع على عاتق المؤسسات التوعوية والدينية والإعلامية بشأن الترويج لخطورة ارتكاب هذه الممارسات، والتي تتسبب في حدوث العديد من الأزمات الصحية والاقتصادية.
وأضاف: "تزويج القاصر غير معاقب عليه بحد ذاته كونه فعل غير أخلاقي وغير قانوني، فالشرع لم يحدد سن معين لتزويح الأطفال، ما جعل الأمر مباحًا للأهالي بحجة الستر، لكن من المستحيل أن يكون الشرع قد أوجب ذلك الزواج الطفولي علينا، بسبب آثاره الجسيمة التي تنتج عنه وتعرض أطفالنا للخطر الداهم".
طبيبة: يُعرض الزوجة لمضاعفات خطيرة أثناء الحمل ويهدد صحة الجنين
شرحت الدكتورة أميمة القاضي، طبيبة النساء والتوليد، مخاطر الزواج الأطفال من الجانب الصحي، قائلة: "هذه الممارسات تحرمهم من طفولتهم بشكل واضح، وتهدد صحتهم طوال الوقت، فمن غير الطبيعي أن يخضع أطفال في عمر الـ15 على سبيل المثال لممارسة علاقة زوجية، وينجبون أطفال آخرين في ظل عدم اكتمال وعيهم حول الأمر من الأساس".
ونوهت إلى أن هذا الزواج الطفولي يمنع أحقيتهم في البقاء بمدارسهم، أو استكمال تعليمهم أو تحقيق النجاح في حياتهم، بجانب المخاطر الصحية الجسيمة التي تتعرض لها الفتيات بشكل أكبر متمثلة في تعرضهن لمضاعفات خطيرة خلال فترة الحمل، ومن ثم ارتفاع الخطر على أطفالهن الرُضع.
واستكملت: "شاهدت حوادث عدة مؤخرًا بسبب زواج الأطفال، أبرزهم كان تعرض إحدى الفتيات للوفاة بعد زواجها في سن الرابعة عشر بسبب مواجهتها لمصاعب كثيرة أثناء الولادة، ما جلعها تلقي حتفها على الفور لأن جسدها ما زال ضئيلًا ولا يتحمل صعوبة الحمل والولادة".
وحذرت الطبيب من الحمل المبكر الناتج عن زواج الأطفال: "يأتي في مرحلة عدم اكتمال نمو حوض الفتاة، ما تتبعه خطورة كبيرة في تعسر الولادة وانفجار الرحم وبالتالي وفاة الأم والطفل، ومن تنجو من حملها تتعرض في المستقبل لمخاطر صحية أخرى مثل الناسور، أما الطفل فقد يتعرض للإصابة بضمور المخ بسبب نقص الأوكسجين.
وطالبت "القاضي" أهالي الأطفال بعدم تزويج أبنائهم والتسبب في تعرض حياتهم للخطر الداهم، موجهة مناشدتها للجهات المعنية بضرورة نشر التوعية الصحية حول مخاطر الأمر داخل القرى الصغيرة في مصر، والذي لا يدرك أهلها مدى انتهاكهم لحياة الأطفال من الناحية الصحية والنفسية.
طبيب نفسي: ينتج عنه اضطرابات حادة في الشخصية
وحذر الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي بالأكاديمية الطبية للعسكرية، من الآثار النفسية الناجمة عن الزواج المبكر مثل الحرمان العاطفي الذي يولد نتيجة الحرمان من عيش مرحلة الطفولة، وعدم القدرة على التربية السليمة الناجمة عن افتقار التواصل مع الأبناء، ما يؤدى إلى الإصابة بأمراض نفسية كالقلق والاكتئاب.
وأوضح "فرويز" أن الارتباط العاطفي في سن صغير ينجم عنه اضطرابات في الشخصية؛ لأن الفتاة تسبق الذكر فكريًا وهرمونيًا، وعند الزواج لا يحدث أي نوع من التكافؤ الذهني؛ نظرًا لتفاوت قدراتهم، مشيرًا إلىحدوث مشاحنات بين الزوجين عند بلوغهم العشرين عامًا، حينها يفرغ الشاب ذلك في الدخول لعلاقات مشبوهة أو الزواج مرة أخرى، وقد تدفع تلك الاضطرابات الزوجة للدخول في علاقات افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يحدث الانفصال ويرتفع معدل الطلاق بين فئة الشباب.
وأضاف استشاري الطب النفسي في حديثه لـ"الدستور": "يمكن تقسيم أسباب زيادة معدل زواج الأطفال إلى محورين، يتمثل المحور الأول في أسباب خاصة بالفتي والفتاة المقبلين على الزواج، ولعل أبرزها شعورهم بعدم الاستقرار نفسيًا داخل الأسرة بسبب المشكلات بين الأب والأم؛ لذا يجدوا الزواج وسيلة للهروب من عدم الاستقرار، ويكمن المحور الثاني في أسباب خاصة بالأهل ومنها رغبتهم في الحفاظ على الثروات والحفاظ على شرف الفتاة والتخلص من مسؤوليتها.
وعن آليات مواجهة الزواج المبكر، أكد "فرويز" على ضرورة تبني سياسة التوعية، من خلال تنبيه رجال الدين في المساجد والكنائس للأهالي بأضرار الزواج المبكر، وتوجيه الإعلام لتبني حملات توعوية وأفلام وثائقية لنبذ فكرة الزواج تحت السن القانوني، مشيرًا إلى دور الدراما في خلق الوعي لدى الأسر المصرية بعقوبات ومخاطر زواج الأطفال، عبر بث مسلسلات وأفلام تسرد نهاية مؤلمة لمرتكبي الزواج المبكر.