في ذكرى ميلاد «الحصري».. أعمدة التلاوة المصرية ينشدون بعظمة مصر
حكاية نسجها أعمدة التلاوة المصرية تحتاج فتح كل أبواب التاريخ لها، واستقرت في الوجدان المصري والعربي والإسلامي عبر العقود.
حكاية تجدد باب الحديث عن مصر الكبيرة، الراسخة والرائدة والساكنة في الوجدان ما بين المحيط والخليج، يصاحبنا فيها الشيخ "محمود خليل الحصري" الذي نستعيد سيرته اليوم احتفالًا بمنجزه الكبير.
ويجاوره الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمد رفعت وغيرهم، حفظوا لمصر مكانتها الكبيرة في خدمة كتاب الله طوال القرن الماضي، وارتبطت الأفئدة والقلوب بأصواتهم في كل أرجاء الأرض.
“الدستور” تستعيد اليوم الذكرى 104 لميلاد "الشيخ الحصري".
ولد الشيخ محمود السيد خليل الحصري، في قرية شبرا النملة بمحافظة الغربية، مثل هذا اليوم عام 1917م، وبداية رحلته كانت داخل الكتاب، الذي التحق به طفلًا وهو لم يتجاوز الرابعة من العمر، وطوال 4 سنوات، ونجح الحصري في إتمام حفظ كتاب الله وهو لم يتجاوز الثامنة من عمره.
لم يقتصر “الحصري” في تلك الفترة على الكُتاب في شبرا النملة، بل كان يذهب من قريته إلى المسجد الأحمدى بطنطا يوميًا ليدرس علوم القرآن مع الحفظ، وفي الثانية عشرة من عمره انضم إلى المعهد الديني في طنطا.
هو صاحب المقام الرفيع في علوم القرآن الكريم، وداخل قلوب المصريين، وأحد رموز القوى الناعمة المصرية التي رسخت لريادة قراء القران الكريم المصريين، الذين قاموا بالدوران حول الكرة الأرضية حاملين كتاب الله، وخدمة للمسلمين في جميع أنحاء العالم.
- رحلة نورانية بصحبة القرآن الكريم
بدأ الشيخ الحصري في تجربته الاستثنائية مع كتاب الله عندما قرر تعلم القراءات العشر للقرآن في الأزهر الشريف، ونجح في المهمة وحصل على شهادة "علم القراءات" قبل التفرغ لدراسة علوم القرآن بشكل عام.
دفعته خامة صوته بعد ذلك إلى التقدم إلى امتحان الإذاعة المصرية عام 1944م، وكان ترتيبه الأول على المتقدمين للامتحان في الإذاعة، ويعد من أول الأصوات التي عرفتها الإذاعة المصرية، بعد الشيخ محمد رفعت الذي كان أول صوت ينتقل عبر الأثير في تاريخ مصر، وكان مفتتح الإذاعة المصرية بالآية القرآنية "إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا".
وللحصري مقام رفيع ينفرد به في خدمة القرآن الكريم، فهو أول من سجل المصحف الصوتى المرتل برواية حفص عن عاصم، كما أنه هو الذي طالب بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ومقر مسجده الشهير في السادس من أكتوبر أصبح بعد رحيله عن دنيانا أحد أبرز معالم المدينة الجديدة، التي تقدم خدمات دراسات علوم القرآن ورعاية الأيتام، وغيرها من الشئون الخيرية التي حملتها ابنته ياسمين الخيام بعد وفاته.
في عام 1950م عين الحصري قارئًا للمسجد الأحمدي بطنطا، قبل أن ينتقل في عام 1955م قارئًا في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.
- ريادة الحصري
“الحصري” هو أول من سجل القرآن برواية ورش عن نافع، عام 1964م، وهو أول من رتل القرآن بطريقة المصحف المفسر عام 1975م، كما أنه أول قارئ للقرآن الكريم يقوم بترتيله داخل مقر الأمم المتحدة عام 1977م، كما كان أول من قرأ القرآن الكريم داخل البيت الأبيض.
أدرك الشيخ الحصري منذ وقت مبكر أهمية تجويد القرآن في فهم القرآن وتوصيل رسالته، كما تفهم دور ترتيل القرآن في تجسيد المفردات القرآنية تجسيدًا حيًا، ومن ثَمَّ يجسد مدلولها الذي ترمي إليه تلك المفردات.
شيد الشيخ الحصري، مسجدًا ومعهدًا دينيًا، ومدرسة تحفيظ في مسقط رأسه بقرية شبرا النملة، كما أوصى قبل وفاته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم والإنفاق في كافة وجوه البر، كما قدم العديد من المؤلفات للمكتبة العربية من أبرزها، أحكام قراءة القرآن الكريم، مع القرآن الكريم، رحلاتى في الإسلام.
توفى الشيخ الجليل مساء يوم الإثنين 24 نوفمبر 1980 عن عمر ناهز 63 عامًا، قضاها جميعا منذ طفولته في حمل كتاب الله من قريته الصغيرة بالغربية، إلى كافة أنحاء العالم ومن باكستان واليابان شرقا إلى أوروبا وأمريكا غربا، أما في القاهرة فما زال صدى صوته يتردد عبر الأثير إلى القلوب.