إشكاليات من الوضع المتردى لحقوق المترجم لتهميش لغات بعينها
سؤال الترجمة إلى العربية حول إشكالياتها وأزماتها، يعد أحد أبرز الأسئلة العالقة في المشهد الثقافي العربي، وتأتي استعادته والتحريض على البحث عن إجابات ليس فقط لمجرد سد فراغ لحيز فضاء صحافتنا الثقافية، بل لكون السؤال ضرورة ملحة، والإجابة عليه تفتح آفاقا أرحب لمواجهة إشكاليات وأزمات مسار عملية الترجمة إلى العربية، وفهم ما يجري من تسييد جنس إبداعي على حساب آخر، وتكريس أسماء لكتاب وللغات على حساب أخرى.
أنور إبراهيم.. الترجمة وتضليل القارئ
يقول المترجم أنور إبراهيم رئيس تحرير سلسلة آفاق للترجمة التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة إن المتابع لحركة الترجمة فى عالمنا العربى اليوم سيلاحظ على الفور تدفقا للأعمال الأدبية المترجمة عن كافة اللغات، لكنه تدفق تصحبه فى الواقع عملية قرصنة كبرى فى كثير من الأحوال، ناهيك عن الاستسهال، لا يكفى أن تجد على غلاف الكتاب اسما عالميا لتتأكد أن ما بين دفتى الكتاب هو إبداع خالص لمؤلفه الآن يتم تضليل القارئ الذى لا يعرف سوى لغته الأم، بشكل منهجى من قبل بعض الناشرين، ودعونا نتحدث بصراحة الكتاب الأجنبى المترجم يتم تداوله فى أغلب الأحيان دون حقوق ملكية.
وتابع أن الترهل وعدم الاهتمام والارتباك فى البنية الاجتماعية تقف جميعها وراء توظيف المترجمين (العاطلين عن العمل والموهبة الذين يعرفون لغات أجنبية) ومن بين أيدى هؤلاء نتلقى ثمار الأدب العالمى على نحو مبتذل ومختزل ومبتسر فى الغالب، بينما نجد كثيرا من الناشرين غير مبالين بجودة المنتج، وإن كانوا فى نفس الوقت مهتمون بشدة بتوزيعه، ومن المربح والمربح للغاية لبعض منهم أن يتعاملوا مع كتاب مؤلفه غائب (حيا والأفضل ميتا)
أولا: موافقته على النشر نفسه غير مطلوبة.
ثانيا: لا داعى لإجراءات مساومة مرهقة وجادة معه.
ثالثا: هو لن يحتج بأي شكل من الأشكال على نشر".
ويرى أنور إبراهيم أننا في حاجة ضرورية إلى رسم استراتيجية خاصة بحركة تدفق الترجمة، واختيار ما يمكن ترجمته عبر المؤسسات الثقافية التابعة الدولة، ذلك حتى يمكن أن نقرب صورة الآخر.
مي ممدوح .. إشكاليات عديدة تواجه الترجمة من الصينية
تقول المترجمة مي ممدوح إن السؤال عن إشكاليات الترجمة فيما يتعلق باللغة الصينية، يتراءى للذهن مباشرة ما يواجهه المترجمين بشكل عام من مشكلات، لا أقول تعيق عمليه الترجمة بقدر ما تلقي على كتفي المترجم عبء البحث المستفيض.
وتتابع مي: "بالنسبة للغة الصينية، أول ما قد أسميه اشكالية يكمن في التباعد الكبير ما بين الثقافتين، فالثقافة الصينية لم تكن يوما قريبة من محيطنا العربي، فثمة عبارات تعبر بالأساس عن البيئة المنقول عنها يجهل المتلقي العربي ما تنطوي عليه من معان وتلميحات، وبالتالي يكون لزاما على المترجم أن يضع حاشية مبينة ومفسرة للأمر، هناك إشكالية أخرى تتمثل في الربط الكبير الذي يلجأ إليه الصينيون في كتاباتهم بغض النظر عن نوعها، حيث يدمجون بها بعض الأقوال والمفاهيم الفلسفية التى تعبرعن ثقافتهم التي امتدت لآلاف السنين.
وتلفت ممدوح إلى أن المثير في الأمر أن أغلب هذه المقولات وتكون متصلة بالفكر البوذي أو الكونفوشيوسي يتراءى بشدة الاختلاف الكبير في فهم هذه المقولات لدى الصينيين أنفسهم، ولما يستفيض المترجم في البحث يستخلص ما قد فهمه في نهاية الأمر ومن هنا تكون هذه الترجمة اجتهادية بشكل كبير وتختلف من مترجم لآخر.
وترى مترجمة الصينية إلى العربية من الاشكاليات الكثيرة التي تنطوي عليها عملية الترجمة من الصينية للعربية أيضا ترجمة الأسماء، ولا تزال للوقت الحالي مختلف عليها فربما يكون نفس الاسم لكن يظهر بشكلين، مثل اسم الكاتبة الصينية المرشحة لنوبل تسان شيوي والذي يكتب كذلك تسان شييه، نظرا لعدم اتفاق المترجمين على ترجمة هذه الأصوات في العموم، واحدة من الإشكاليات الأخرى تتمثل في ترجمة أسماء الأماكن وأسماء الأشخاص من لغات أخرى إلى الصينية ومحاولة ردها للعربية، نظرا للتفاوت الشاسع في نطق الكلمتين، ومثال ذلك ترجمة أسماء الأشخاص والأماكن من لغات كالكورية واليابانية إلى اللغة الصينبة، بحيث يكون الأمر شاقا بالفعل عند ترجمتها عن الصينية، ويكون الحل في هذه الحالة محاولة الاحتكام للغة الإنجليزية وقد تفلح المحاولة وقد لا تفلح.
شيماء حسن.. تسييد الفرنسية والإنجليزية يرجع لطبيعة العرض والطلب
من جانبها، تلفت المترجمة الشابة شيماء حسن إلى أنه "بالنسبة لفكرة تسييد اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو غيرها على الإيطالية .. يرجع لطبيعة العرض والطلب في سوق العمل وهذا ليس في مجال الترجمة فقط.
وأيضًا لحقيقة انتشار اللغتين السابق ذكرهما وعدد المتحدثين بهما على مستوى العالم، لدرجة أننا نجد الفرنسية متواجدة بشكل رسمي في بعض مناطق داخل إيطاليا نفسها، بالتالي يشكل اهتمام أقل من قِبَل دور النشر بمترجمي اللغة الإيطالية، وفي الترجمة الحرة يتفاوت الأمر في المقابل المادي حسب اللغة وليس فقط حسب طبيعة النص.
ولفتت حسن إلى أن هذه الإشكالية حتى لو تسببت في أزمة فإن هذا يرجع إلى قرار المترجم الذي بدوره يكمل في لغة محددة لكي يأخذ الثقافة المرتبطة بها وينقلها للغة العربية.
وتشير شيماء حسن إلى أن أثر ذلك على الترجمة إلى العربية سيكون إثراؤها بثقافات محددة وخصوصًا لو بننقل تاريخ شعوب وثقافات، في هذه الحالة نحن نوضح تاريخ شعوب متصلة ببعضها من وجهة نظر بلد واحدة مثلا.
وفي رأيي أن الترجمة من اللغة العربية فهي مختلفة تمامًا لأنها بتتطلب اهتماما من البلاد الأخرى بالثقافة العربية وفي أغلب الوقت تكون الأحداث المعاصرة هي محل اهتمامهم، وأيضًا هي أصعب لأن تمكن المترجم العربي وإحساسه بالتراكيب والصياغة هيكون أفضل عندما ينقل إلى لغته الأم.
وهذا يظهر واضحا في لغة مثل الإيطالية، وبتكون عدد الأعمال المترجمة من العربية إلى الإيطالية قليل، مقارنة ذلك باللغة الفرنسية في بلاد مثل الجزائر والمغرب، فأظن أن المترجم من أصل هذه البلاد سيكون من السهل عليه الترجمة من وإلى اللغتين.