قناة السويس على قضبان
أنا من مدرسة تقدر المثقفين المصريين، وتراهم جزءًا من مشروع النهضة، ما داموا يتخذون موقفًا واضحًا من الإرهاب والاتجار بالدين، من آن لآخر يحدث ما يدعونى للشك فيمن يجوز أن نطلق عليه لقب مثقف، على «فيسبوك» علّق أحد الكتاب على مشروع قطار «السخنة- العلمين» متسائلًا عن عدد سكان العين السخنة، وعدد سكان العلمين، وما إذا كان الأمر يستدعى إنشاء القطار لخدمة هؤلاء السكان!!!، إن ما كتبه هذا المثقف يذكرنى بقصة الإمام أبوحنيفة الذى كان يلقى درسه على تلاميذه وهو يمد قدميه لوجع أصابهما، وذات يوم دخل أبوحنيفة على مجلسه ليجد رجلًا غريبًا مهيب الطلعة بينهم.. تحرج أبوحنيفة أن يمد قدميه وجلس معتدلًا رغم الألم، فى نهاية الدرس فتح الرجل المهيب فمه ليسأل، فإذا به يسأل سؤالًا تافهًا يكشف عن عقل صغير.. وهنا مد أبوحنيفة قدميه بعد أن زال الحرج عنه وقال قولته الشهيرة «آن لأبى حنيفة أن يمد قدميه».. وأظن أنى شعرت نفس الشعور بعد أن قرأت منشور الكاتب، الذى يفترض فيه الاطلاع، وسعة الإدراك، والقراءة بأكثر من لغة.. إن مشروع قطار «السخنة- العلمين» ليس الهدف منه الربط بين مدينة العين السخنة ومدينة العلمين، ولكن الهدف منه الربط بين نصف العالم الشرقى ونصف العالم الغربى، إن هذه حقيقة يدركها أى طالب فى الصف الأول الثانوى بعد درس موقع مصر فى منهج الجغرافيا، إنه مشروع يربط بين ميناء السخنة الذى يقع على البحر الأحمر، وميناء الإسكندرية على البحر المتوسط، حيث تنتقل البضائع من السفن إلى القطار خلال ساعات محدودة، ثم يعاد شحنها فى السفن مرة أخرى إلى وجهتها، إنه «قناة سويس على قضبان» كما قال رئيس شركة سيمنس عقب توقيعه العقد، إنه مشروع يهدف إلى استباق المشاريع المنافسة لقناة السويس، والحفاظ على قدرة مصر على أن تكون معبرًا للتجارة الدولية بإمكانات مختلفة، وبوسائل مختلفة، فضلًا عن هذا فهو جزء أساسى من مشروع توسيع العمران المصرى والخروج من الوادى الضيق، فحيث يوجد خط قطار ستوجد مشاريع عقارية وصناعية وزراعية وهذه بديهة لا تقبل المناقشة.. ما لفت نظرى أن الحكومة المصرية هى أيضًا لم تشرح أهمية المشروع الاقتصادية كمعبر دولى للتجارة، بشكل عام أفهم ميل الدولة المصرية للتكتم فيما تنجز خوفًا من أهل الشر، وميلًا للإنجاز بدلًا من الكلام، لكننى أجتهد فأقول إن هذه المرحلة قد انتهت، وإننا بتنا فى مرحلة أخرى تستدعى شرح ما يحدث من إنجازات للناس فى إطار خطة متكاملة، تجعل المصريين فخورين بما يحدث، وقابلين لتحمل بعض المعاناة فى سبيل تحققه، إننى مع كامل الاحترام لمقام رئيس الوزراء، «وهو خبير عالمى فى التخطيط العمرانى»، توقفت أمام وصفه المشروع بأنه «يُحدث نقلة حضارية فى وسائل النقل فى مصر»، إننى مع كامل الاحترام أرى أن هذه عبارة عامة لها طابع إنشائى، وربما يقول مواطن لماذا ننفق ثلاثة مليارات دولار لإحداث نقلة حضارية؟.. هذا خطاب مختلف عن شرح المزايا والمنافع الاقتصادية التى ستعود على مصر من المشروع، وقتها سيدرك المواطن أن ما أنفق على المشروع هو استثمار سيعود على الاقتصاد بأضعاف مضاعفة بعد سنوات، لا أقلل أبدًا من جهد مسئول، وأدرك أن لكل شىء يحدث منطقًا وتصورًا مسبقًا، لكننا يجب أن نحدث المواطن بلغة المصلحة والنفع الذى سيعود على مصر وعلى شعبها، وأن نجعله شريكًا فى أحلام الغد.. وقتها سيتصدى بنفسه للرد على المخربين والمهرجين أيضًا.. أما من لا يريدون أن يفهموا من الأساس.. فلا شأن لنا بهم ولا شأن لهم بنا.. والله أعلم.