الأنبياء والشهداء والأطفال.. أين تستقر الروح بعد مفارقتها للجسد؟
أثار سؤال أين تستقر الروح بعد الموت، جدلا كبيرًا عبر جروبات الفتوى على موقع التواصل الاجتماعي"فيسبوك" حيث ورد سؤال من سائل يقول: أين تكون الروح بعد الوفاة؟، فقد تعدد الأقوال من جانب رواد التواصل الاجتماعي، فهناك البعض من أكد أن روح الأنبياء تكون في السماء، بينما قال آخرون إن روح الشهداء تكون في الجنة، وأن روح الأطفال وسائر المؤمنين في الجنة.
دار"الإفتاء" حسمت الجدل الدائر وردت على الأقاويل التي ترددت داخل جروبات الفتوى بالإجابة على هذا السؤال، ونشرت تلك الفتوى عبر موقعها الإلكتروني.
وبدأت الدار ردها على السؤال الشائع، والذي حظى باهتمام كبير من جانب المسلمين حيث يرغبون في معرفة الأمور الغيبية، بحديث عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أنه كان يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه مالك في "الموطأ"، والنسائي وابن ماجه في "سننيهما".
مكان استقرار روح الأنبياء والرسل بعد الموت
وأضافت الدار، أن الذي دلَّت عليه الأخبار أنَّ مستقرَّ الأرواحِ بعد المفارقة مختلفٌ، فمستقرُّ أرواحِ الأنبياء عليهم السلام في أعلى عِليِّين، وصحَّ أنَّ آخر كلمةٍ تَكلَّمَ بها صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم الرفيق الأعلى، وهو يؤيِّدُ ما ذكر.
مكان استقرار روح الشهداء والأطفال بعد الموت
بينما مستقرُّ أرواحِ الشهداء في الجنَّة تَرِدُ من أنهارها وتأكل من ثمارها وتأوِي إلى قناديل معلقة بالعرش، ورُويَ في أرواح أطفال المؤمنين ما هو قريبٌ من ذلك.
أدلة استقرار روح الشهداء بعد الموت
واستدلت الدار بما روى ابن المبارك رضي الله عنه عن كعبٍ رضي الله عنه قال: "جنَّةُ المأوى جنَّةٌ فيها طيرٌ خُضر ترعى فيها أرواح الشهداء على بارق نهرٍ ببابِ الجنَّةِ في قُبَّةٍ خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنَّةِ بُكرَةً وعشيًّا".
مكان استقرار أرواح المؤمنين بعد الموت
وقالت الدار، إن مستقرُّ أرواحِ سائر المؤمنين، فقيل: في الجنَّةِ أيضًا وهو نصُّ الإمامِ الشَّافِعِي، ويؤيده الحديث الذي بين أيدينا.
واستشهدت الدار بما روى ابن منده من حديث أمِّ بشرٍ رضي الله عنهما مرفوعًا ما هو نصٌّ في أنَّ مستقرَّ أرواحِ المؤمنينَ نحوَ مستقرِّ أرواح الشُّهداءِ، وقال وهب بن مُنَبِّهٍ رضي الله عنه: "إن لله تعالى في السماء السابعة دارًا يقال لها: "البيضاء"، يجتمع فيها أرواحُ المؤمنين، ومستقرُّ أرواح الكفَّار في سجِّين".
أين تستقر روح الكفار بعد الوفاة
وأما عن روح الكفار بعد الوفاة، فاستشهدت الدار بحديث أمِّ بشرٍ رضي الله عنها: أن أرواح الكفار في حواصل طيرٍ سُود، تأكُلُ من النَّار وتشرب من النَّار، وتأوِي إلى جُحرٍ في النَّار، يقولون: ربنا لا تُلحق بنا إخواننا ولا تؤتِنا ما وعدتنا.
أقوال العلماء حول مستقر الروح بعد الوفاة
تعددت الأقوال حول مستقر الروح، فقيل: إن مستقرُّ أرواحِ الموتَى أفنيةُ قبورِهم، وحكى هذا الإمام ابن حزم عن عامَّة أهلِ الحديث، واستدلَّ له بعضُهم بحديثِ ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم حين زار الموتى قال «السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤمِنينَ» رواه مسلم، ورجَّحَ الإمامُ ابنُ عبد البرِّ أنَّ مُستقرَّ أرواح ما عدا الشهداء بأفنية القبور.
وتابعت الدار: الذي ينبغي أن يُعَوَّلَ عليه مع ما ذُكِر أنَّ الأرواح -وإن اختلف مستقرها بمعنى محلها الذي أعطيته بفضل الله تعالى جزاء عملها- لها جَوَلَانًا في مُلك الله تعالى حيث شاء جلَّ جلاله، ولا يكون إلا بعد الإذن، وهي متفاوتة في ذلك حسب تفاوتها في القرب والزُّلفَى من الله تعالى، حتى إنَّ بعضَ الأرواح الطَّاهرة لتظهر فيراها من شاء الله تعالى من الأحياء يقظةً، وأنَّ أرواحَ الموتى تتلاقَى وتتزاوَر وتتذاكَر، وقد تتلاقى أرواح الأموات والأحياء منامًا، ولا يُنكر ذلك إلا من يجعل الرؤيا خيالاتٍ لا أصل لها، وذلك لا يُلتفت إليه، لكن لا ينبغي أن يبنى على ذلك حكم شرعي؛ لاحتمال عدم الصِّحَّةِ وإن قامت قرينةٌ عليها.