عادوا يفضِّلون الذُّكُور
شاعت مجددا فكرة تفضيل الذكر على الأنثى إنجابيا، فحملت بعض المواقع الطبية والعلمية نصائح للأزواج تيسر عملية إنجاب ذكر، معظمها نصائح تتعلق بطبيعة الأغذية ونظامها «ما يحوي البوتاسيوم والصوديوم لإنجاب ذكر في مقابل ما يضم الكالسيوم والمغنسيوم لإنجاب أنثى»، وكذلك اختيار مواقيت الجماع بدقة بحيث تكون كثافته مصادفة لمواعيد التبييض عند الزوجة.. بالإضافة إلى الدش المهبلي «توفير وسط قاعدي للحمل بالذكر»، والحمل الصناعي الذي يمكن من خلاله نقل الأجنة الذكرية إلى رحم الأم بعد تكوِّنها، تكمن المشكلة هنا في التكاليف المادية العالية، وأخيرا بواسطة الجدول الصيني الذي يعتمد على تحديد عمر الأم وقت الإخصاب، والشهر الذي يتم فيه الحمل بحساباته، وهو متوفر بالمراكز التي تعتمد الطب الصيني، وإن كان غير موثوق فيه، وليس معروفا ما هو أصله، والسيدات اللواتي يعرفن طريقته يستخدمنه بلا مشورة!
الفكرة، فكرة تفضيل الذكر على الأنثى، قديمة، وراسخة في الآباء والأمهات على السواء، ولها أبعادها المفهومة من جهة الدين والحياة الاجتماعية؛ فمن جهة الدين، كمثال، تذهب الإمامة للولد بعد أبيه (لو صلح شأنه طبعا) وهي رمز للقيادة والهيمنة، فالأنثى لا إمامة لها في الدين كما هو معروف، ومن جهة المجتمع فإن الذكر هو القوة والسلطة وحامي الحمى، ووجوده في البيوت لا يجعل حيطانها عرضة لوثوب الواثبين.
الثقافات البدوية التي ظهرت وسطها الأديان الإبراهيمية الثلاثة ببيئات كثيفة الصراع؛ انعكست خشونتها في فهمهما للنصوص الدينية التوراتية والإنجيلية والقرآنية، فالذكر فيها جميعا محارب، رزقه تحت ظل سيفه، لذا له الأفضلية، وإذا كانت المرأة في الأدبيات الإسلامية خُلقت من ضلع أعوج، فهي كذلك في اليهودية والمسيحية، وعند اليهود والمسيحيين فإن حواء هي من أغوت آدم كما في النص الذي يخاطب فيه آدم ربه بسفر التكوين: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.. وكلا العقيدتين يربط بين "حواء" و"الحيَّة".
لكن في التفسيرات المعاصرة المستنيرة للأديان عموما، وللإسلام خصوصا، لأن الدعوة إلى إحياء علومه وتنقية تراثه وتجديد خطابه أكبر، هناك انتصار لمعنى المساواة بين الذكر والأنثى في العمق.. أما المجتمعات فقد تطورت وتغيرت وصارت لا تفرق بين الولد والبنت، لكن تعاملهما معاملة واحدة، وتفرح بهما عند الولادة فرحة واحدة، وتستغرب التفريق بينهما وتعده جهلا مهما تمدين أصحابه.. لكن بقي تفريق طبعا بحكم المفاهيم المتوارثة، وبقي تفريق صاخب في المناطق الأشد حرمانا والأقل تعليما، وإن كان الأعم أن المجتمعات استطاعت تحجيم إعلاء الذكورة على الأنوثة.
لم يكن يصح أن نستخدم الطب، وهو طلب شفاء، في جلب الأمراض النفسية إلى الناس، لأننا هكذا نجعلهم كفئران تجارب، وأن نستخدم العلم، والأصل أنه تقدم، في الرجوع مسافات إلى الخلف، بجعله باعث فكرة ميتة عديمة الجدوى!