آيات الرحمن فى جهاد الأفغان
من سوء حظ جيلنا أنه وقع ضحية لعشرات الأكاذيب التي كانت ترتدي مسوح الدين وتختفي وراء شعاراته لتخفي أهدافها الحقيقية.
كانت من ضمن تلك الأكاذيب الصراع في أفغانستان الذي صورته الآلة إلإعلامية الضخمة ساعتها أنه صراع بين إلإسلام والإلحاد الروسي هناك، فدقت طبول الجهاد بطول العالم إلإسلامي وعرضه، وخرجت الكتب التي تحكي وتتحاكى عن الآيات التي يؤيد الله بها المجاهدين هناك.
وكان أشهرها كتيب المفكر الإخواني عبدالله عزام «آيات الرحمن في جهاد للأفغان»، الكتيب كان مليئا بالقصص التي تجعل دموعك تنهمر سيولا تأثرا بما تقرأ.. ذلك التأثر والانفعال العاطفي الذي قاد الآلاف من جيلنا للذهاب إلى هناك مجاهدا بنفسه، والملايين للتبرع بأموالهم عبر لجان جمع التبرعات سواء في نقابة الأطباء أو اللجان الخيرية.
كنا ننظر للمجاهدين الأفغان على أنهم رجال من عصر الصحابة، أو هكذا صورتهم لنا آلة الدعاية.. كنا نحفظ أسماء القادة عن ظهر قلب، ونعدهم امتدادا لجيل القادة العظام من الصحابة، خالد وأبوعبيدة وأسامة.. كنا نعرف حكمتيار ورباني وأحمد شاه مسعود ودوستم.
وعندما انتهت الحرب مع الروس بانسحابهم، وبقدر ما كانت فرحتنا عارمة بانتصار الإسلام على الإلحاد، بقدر ما كانت صدمتنا بأخبار المعارك الضارية التي نشبت بين قادة المجاهدين للانفراد بالحكم، إذ كيف يقتتل المجاهدون من أجل عرض دنيوي؟ كيف يستحل بعضهم دماء بعض؟ ولعل صورتهم النقية التي صدرت لنا كما ذكرت آنفا هي أحد أسباب ذهولنا.
وامتدت الحرب ضارية بينهم وانتصرت أطراف على أطراف واختفت قيادات، ولجأت قيادات منهم إلى بلدان كانت نفس الآلة الدعائية تصورها لنا على أنها بلاد أعداء يحاربون إلإسلام.. إذن كيف وهم عدو يوفرون الملجأ ومعسكرات التدريب؟
وفي أوج هذا الصراع ظهرت القاعدة ثم طالبان، ثم جاء دور الأمريكان ليحتلوا أفغانستان وتستعر حرب لم تنته ولا أظنها تنتهي، فالحرب التي بدأت في السبعينيات لم تنته حتى وقته وتاريخه.. فهي أحيانا حرب مع طرف دولي، وأحيانا أخرى صراع واقتتال بين الفصائل، وأفغانستان التي كانت يوما دولة مدنية تحولت إلى أنقاض دولة وعادت للعصور الحجرية.
لكن ما يخصنا واستجد بعد أن خفت لهيب العاطفة الدينية المتأججة وزال ستار الدخان الذي أعموا به بصائرنا أننا اكتشفنا متأخرا أن القصة لم تكن جهادا كما زعموا، ولا كانت حربا دينية بين إسلام وإلحاد أو إسلام وصليبيين كما روجوا، بل كانت حرب نفوذ ومصالح بين القوتين العظميين في ذلك الوقت: أمريكا والاتحاد السوفيتي.
وإن المسلمين استخدموا ليخوضوا حربا بالوكالة عن أمريكا على أرض محايدة يتصارعون فيها مع الروس للاستيلاء على ثروات طبيعية وموقع استراتيجي.. وإن أمريكا موّلت ما سمتهم المجاهدين بالمال والسلاح والتدريب لتكسر شوكة الروس وتضعف دولتهم بدق أول مسمار في نعش الاتحاد السوفيتي والإجهاز عليه في المستنقع الأفغاني؛ وقد كان.
وردت روسيا لهم الصفعة بعدما تورطوا هناك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
اليوم تكتمل المهزلة؛ يقف بايدن ليعلن أن الجيش الأفغاني الذي تجاوز الـ300 ألف مقاتل تدعمهم قوة جوية مدربة يستطيع الحفاظ على بلاده ضد 75 ألفا من أعوان طالبان.. طالبان التي اختفت من على مسرح الأحداث منذ فترة طويلة، فجأة ظهرت بعدما صدرت الأوامر لداعش والقاعدة بالخمول.
لكن سيلا من الأخبار الكوميدية يلاحقنا؛ الأمريكان ينسحبون على عجل من أفغانستان تاركين كل المعدات والأسلحة خلفهم لتستولى عليها طالبان، الجيش الهمام المكون من 300 ألف مقاتل يختفي أمام الـ75 ألف طالباني ليعلنوا سيطرتهم على عموم البلاد، والإعلان عن عودة قادة طالبان من العاصمة التي تؤوي منتخب إرهابيي العالم، ليتضح طرف الخيط لمؤشر أحداث المستقبل.
سينتقل كل الإرهابيين على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم إلى أفغانستان لتكون نقطة انطلاقهم نحو البلاد الإسلامية تفجيرا وتدميرا ونشرا للفوضى، متخذين الدين والجهاد ستارا، أو بمعنى آخر؛ المخلب الأمريكي الصهيوني سينفذ مخطط الفوضى والشرق الأوسط الجديد من هناك.. من تورا بورا.