«نصحنى بعدم الزواج من أجنبية».. طلعت شاهين يروى ذكرياته مع نجيب سرور
تحدث المترجم الكبير الدكتور طلعت شاهين عن ذكرياته مع الكاتب المسرحي الراحل نجيب سرور، يقول طلعت شاهين:" بدأت في التردد على مقهى ريش منذ أوائل السبعينيات، تعرفت على الكثيرين خلال إجازاتي المتقطعة حين كنت أقضي فترة تجنيدي بمنطقة جنيفة على الجبهة إلى أن دخلنا حرب أكتوبر 73 وما تبعها من حصار الجيش الثالث الذي عشته بكل مآسيه، بعد انتهاء فترة التجنيد مع نهايات العام 1974، نظرا لإقامتي الدائمة بالقاهرة انتظمت علاقتي بالوسط الثقافي خاصة مع الراحلين يحيي الطاهر عبد الله وأمل دنقل باعتبارنا بلديات، نحن أبناء محافظة قنا، عملي في الصحافة قرّبني أكثر من مجالات عديدة كالمسرح والسينما والفن التشكيلي.
يضيف، لـ"الدستور":"من الشخصيات التي وجدت نفسي مرتبطا بها كثيرا كان الراحل نجيب سرور الذي خرج من عزلته المأساوية وبدأ يشارك في أنشطة مسرحية بارزة، منها مشاركته بالتمثيل في بعض مسرحيات الثقافة الجماهيرية التي كانت تعرض في وكالة الغوري في شهر رمضان، ربما كان دافعي للاقتراب منه محاولتي معرفة حقيقة ما كان يتردد عن جنونه، ازداد هذا الاقتراب حميمية بعد أن نشرت قصيدة لي بعنوان "خمس قصائد من مقهى ريش"، مكونة من خمسة مقاطع؛ خصصت مقطعا منها عن "فريد" الابن الأصغر لنجيب سرور، فرح نجيب سرور بالقصيدة جدا وكلما كنا نلتقي كان يطلب مني أن أقرأها له.
ويواصل: "في إحدى المرات وخلال جلسة في جروبي سألته سؤالا مباشرا عن حكاية الجنون، كانت إجابته "هل تعتقد أن مجنونا مهما كانت درجة جنونه يمكن أن يعود إليه العقل" وضحك رافعا كأس البيرة بين يديه، وبدأ يحكي. قال: "أنا كنت أمثل دور المجنون طوال أربع وعشرين ساعة في اليوم، لأنه الطريق الوحيد الذي كان أمامي لإدانة النظام دون أن أتعرض للأذى من أحد. كان أتطاول على الجميع وأسخر منهم انتقاما لموالستهم مع النظام الذي اضطهدني دون أن يجرؤ أحد على عقابي، مجنون بقى ممكن يعمل اللي عاوزه".
ويكمل: "من وقت إلى آخر كنا نلتقي في الأتيلية أو في ريش ودائما ما يصرّ على اصطحابي إلى جروبي طلعت حرب وهناك يحكي لي أجزاء من حياته وعلاقاته داخل الوسط الفني، بالطبع كان لا يتورع عن وصم بعض الشخصيات بألفاظ قاسية كان وحده يطلقها عليهم.
ويتابع: "قبل سفري إلى إسبانيا عام 1977 بأيام قليلة التقينا في الأتيليه وسألني عن حقيقة هذا السفر فحكيت له، بعدها قال لي: "أنت تحتاج إلى جلسة معي قبل سفرك". خرجنا من الأتيليه إلى جروبي، اشترطت عليه ألا يشرب سوى زجاجة بيرة واحدة لأنه كان ممنوعا من الشرب لأسباب صحية، وحتى يستدرجني إلى هذه الجلسة وعدني بذلك، إلا أن الجلسة طالت كثيرا فوصلنا في نهايتها إلى خمس زجاجات شربها كاملة.
ويستطرد: "تحدثنا عن السفر إلى خارج مصر خاصة إلى أوروبا وليس السفر إلى الخليج الذي كان شائعا في ذلك الوقت بين الكُتاب للعمل في الصحافة الناشئة هناك. استعرض نجيب سرور في تلك الجلسة فترة غربته، وقصّ عليّ بالتفصيل علاقة مع "ساشا" الروسية أم ولديه شهدي وفريد، كيف أنه تزوجها رغم أنفها بعد أن هربت منه إلى بيت أمها واختبأت تحت السرير لأنها كانت تعرف أنها سوف تعاني معه رغم حبها له، وبعد أن أنهى تلك القصة الرومانسية حذرني من الزواج من أجنبية، أكد على ذلك مراراً، عندما تساءلت عن سبب أن يصدر مثل هذا الكلام على لسان "متزوج من أجنبية"، كأن تساؤلي أثار شجونه فإذا به يكاد يبكى أمامي ويقول: "أنا مريض وأرى النهاية تقترب وأخشى ما أخشاه أنه بعد موتي تأخذ ساشا الأولاد وتعود إلى موسكو فينقطع اسم نجيب سرور في مصر نهائيا.
في الأخير قال:" سافرت إلى إسبانيا وبدأت دراستي هناك، لكن أخبار الوسط الثقافي المصري لم تنقطع عني سواء من خلال الرسائل المتبادلة مع الأصدقاء أو من خلال بعض الكُتاب والباحثين في مجال الدراسات الأندلسية الذين كانوا يفدون إلى مدريد للمشاركة في فعاليات ثقافية كانت نشطة في تلك الأيام.
بعد سفري بعام تقريبا توفي نجيب سرور، حقيقة حزنت وتذكرت ما قاله لي. عند أول زيارة لي إلى القاهرة ذهبت إلى الأتيليه الذي كان يوفر في ذلك الوقت فرصة لقاء أكبر عدد من الأصدقاء دون البحث عنهم، في اليوم الثالث من وجودي بالقاهرة تواعدت مع الصديق الإذاعي الراحل شوفي فهيم على اللقاء في الأتيلية مساء، عندما حضر كانت ترافقه الروسية "ساشا" زوجة نجيب وأم ولديه شهدي وفريد، قبل أن تمد يدها بالسلام قالت لي بعاميتها المصرية التي تجيدها : "شفت يا أخويا... صاحبك كان فاكر اني آخد العيال وأرجع موسكو، طيب، أنا هنا أهه والعيال سابوني وراحوا موسكو