المستفيدون من علاج مرض «الضمور العضلى»: «كابوس وبينتهى»
قبل أكثر من شهرين، وبالتحديد فى ٣٠ يونيو الماضى، كانت الإصابة بالضمور العضلى الشوكى كابوسًا يبدد أمان الأسر المصرية، ويلقى بها فى دوامة من المعاناة والتردد بلا جدوى على المستشفيات وعيادات الأطباء بحثًا عن علاج لأطفالها. وكعادته فاجأ الرئيس عبدالفتاح السيسى المصريين بإعلان تحمل الدولة تكلفة علاج مرضى الضمور العضلى للأطفال حديثى الولادة، التى تبلغ ٣ ملايين دولار لكل طفل.
وتنفيذًا لتوجيهات الرئيس خصصت وزارة الصحة والسكان ٣ وحدات للحقن الجينى للحالات المستحقة، فى مستشفى معهد ناصر للبحوث والعلاج، وعين شمس الجامعى، والجلاء العسكرى، وجُهزت الوحدات على أعلى مستوى، وفقًا للمعايير العالمية فى مكافحة العدوى ومعايير الجودة.
ولا يقتصر الدعم الرئاسى على الحقن بالعلاج الجينى، ولكن يمتد للمتابعة الأسبوعية على مدار ٣ أشهر لتطورات الحالة الصحية على يد استشاريين متخصصين فى أمراض المخ والأعصاب، والأطفال، والتغذية والعلاج الطبيعى.
«الدستور» التقت عددًا من أولياء أمور الأطفال المستفيدين من مبادرة الرئيس، للتعرف على ردود أفعالهم، وحجم المعاناة التى كانوا يقاسونها قبل أن ينهيها الرئيس.
محمد النجيرى: عانيت من التشخيصات الخاطئة لابنى.. وأشكر الرئيس السيسى
١٤ شهرًا من المعاناة قضاها محمد النجيرى، من محافظة الدقهلية، والد أحد الأطفال المصابين بمرض الضمور العضلى الشوكى، فى التردد على المستشفيات الجامعية وعيادات الأطفال، والمخ والأعصاب، بحثًا عن أمل فى العلاج من المرض الذى يهدد مستقبل وحياة نجله منذ الساعات الأولى لولادته.
اكتشف الوالد إصابة طفله فى الأشهر الأولى عقب ولادته حين بدأ يتردد على الوحدات الصحية لتطعيمه، وقتها لاحظ أن طفله لا يبكى أو يحرك ساقيه وذراعيه من ألم الحقن مثل باقى الأطفال.
يقول: «الأمر كان غريبًا، وحاولت اكتشاف السبب فتوجهت به إلى إحدى عيادات الأطفال، وهناك أبلغنى الطبيب المختص بالانتظار ٤ أشهر أخرى لحين حصوله على بعض التطعيمات، لكن انقضت المدة ولم يتغير شىء».
عاد «النجيرى» مرة أخرى إلى الطبيب ليبلغه بأن حالة طفله لم تتغير، فنصحه الطبيب بعرض طفله على أحد أطباء المخ والأعصاب لفحصه وتحديد سبب عدم شعوره بالألم، فاستجاب للنصح وعرضه على الطبيب المختص الذى بدأ علاجه، لكن ظهرت أعراض جديدة على الطفل مثل التشنجات.
يضيف: «طلب الطبيب إجراء رسم كهربائى للمخ، وبالفعل أثبت إصابته بمرض الضمور العضلى الشوكى، وصرف لنا الطبيب حينها علاجًا اسمه سيكوسيتام، لكن حالة ابنى لم تتحسن».
قرر الأب عقب ذلك التوجه إلى مستشفى جامعة المنصورة، وهناك خضع الطفل للعديد من الفحوصات الطبية، ومن بينها الفحوصات الجينية التى نفت إصابته بأى مرض وراثى، وأمر الأطباء ببقائه فى المستشفى تحت الملاحظة، وإخضاعه لجلسات علاج بـ«الكورتيزون»، فبدأت حالته تتحسن، لكن حين أمر الأطباء بوقف جلسات «الكورتيزون» عاودته التشنجات.
يقول: «أرهقنى البحث عن علاج نافع وتشخيص دقيق، حتى أرشدتنى إحدى الطبيبات عن لبن اسمه (كيتوكال) يساعد فى علاج حالات مرضية مثل حالة ابنى، وبالفعل اشتريته وبدأت حالته تتحسن، لكنه غير متوفر بالصيدليات وأعانى حتى أعثر على عبوة منه، وحاليًا بدأت إجراءات التسجيل فى مبادرة الرئيس لعلاج الأطفال المصابين بالضمور العضلى، وأشكر الرئيس على جهوده المستمرة لتحسين حياتنا وإنهاء معاناتنا».
والدة الطفل ياسين: الطبيب صدمنى حين أخبرنى بأن التكلفة ملايين الجنيهات
قصة معاناة أخرى بطلتها والدة الطفل ياسين، من محافظة الإسماعيلية، بعمر ثلاثة أشهر، الذى لاحظت والدته منذ الشهر الثانى لولادته أنه لا يحرك قدميه بشكل طبيعى مقارنة بشقيقه التوأم.
تقول: «كنت أشعر أنه يعانى من شىء ما، وعلى الفور توجهت لطبيب مخ وأعصاب، بناءً على نصيحة أحد أقاربى، وبعد أن فحصه الطبيب طلب منى إجراء بعض الفحوصات ونصحنى بأحد المراكز الطبية المتخصصة فى محافظة القاهرة».
اكتشفت الأم إصابة طفلها بضمور العضلات، ووقتها لم تكن تدرك مدى خطورة المرض، ولكنها كانت تشعر بأن طفلها يعانى فى كل مرة تنظر فيها إلى ملامح وجهه البرىء.
لحظات صعبة وقلة حيلة وصدمة كبيرة عاشتها الأم حين أخبرها الطبيب أن تكلفة علاج هذا المرض باهظة وتقدر بملايين الجنيهات مقابل حقنة واحدة، فبدأت تفقد الأمل فى إنقاذ طفلها يومًا تلو الآخر.
وتضيف: «تجدد الأمل مرة أخرى بداخلى حين سمعت عن مبادرة الرئيس السيسى لعلاج مرضى ضمور العضلات من الأطفال حديثى الولادة، وفرحت فرحًا شديدًا بذلك».
توجهت الأم إلى لجنة التأمين الصحى بمحافظة الإسماعيلية لتسجيل اسم طفلها فى المبادرة الرئاسية، واكتشفت أن «ياسين» هو أصغر طفل يعانى من ضمور العضلات الشوكى بالمحافظة، وبدأت إجراءات التسجيل بالفعل، وتنتظر حاليًا ظهور نتيجة التحليل الجينى.
ووجهت السيدة الشكر إلى الرئيس السيسى والحكومة المصرية التى تسعى جاهدة للقضاء على الأمراض الخطيرة فى البلاد، وإنقاذ حياة المواطنين وتحمل الدولة التكلفة مهما كانت باهظة.
أستاذ مخ وأعصاب بجامعة أسيوط: حديثو الولادة أكثر الفئات العمرية المهددة بالموت
قال الدكتور محمد فوزى، أستاذ المخ والأعصاب بجامعة أسيوط، إن ضمور العضلات الشوكى «SMA» مرض وراثى يدمر بشكل تدريجى الخلايا العصبية الحركية فى جذع الدماغ والحبل الشوكى التى تتحكم فى نشاط العضلات الهيكلية الأساسية المسئولة عن النطق والمشى والتنفس والبلع، ما يؤدى إلى ضعفها وضمورها.
وأضاف أن الضمور العضلى الخلقى يحدث منذ الولادة، ويؤثر على الذكور والإناث، لأنه يسبب ضعف العضلات، ويتأخر ظهوره قبل أن يتم الطفل عامين، وله وجهان فى التطور إما أن يتطور بشكل بطىء ويسبب إعاقة خفيفة، أو يتطور سريعًا ويسبب اعتلالًا شديدًا ينتهى بالوفاة.
وذكر أنه توجد ٣ أنواع من الضمور العضلى للأطفال حديثى الولادة، الأول يصيب الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ٦ أشهر، ويعد أكثر خطورة ويسبب الوفاة، لتأثيره القوى على عضلات التنفس، والنوع الثانى يصيب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٧ و١٨ شهرًا، ويعتبر أقل خطورة من النوع الأول، ويتطور النوع الثالث بعد مرور ١٨ شهرًا، ويمثل أقل الأنواع خطورة.
وعن أسباب وفاة الأطفال حديثى الولادة المصابين بضمور العضلى الشوكى، قال «فوزى» إن هناك ثلاثة أسباب تؤدى للوفاة، الأول وجود مشكلات فى الجهاز التنفسى، وفى هذه الحالة يمكن استخدام جهاز مساعد للتنفس، خاصة وقت الليل، والسبب الثانى تنشأ عنه مشكلات فى القلب، لأن ضمور العضلات يقلل من كفاءة العضلة القلبية، أما السبب الثالث فيتسبب فى مشكلات فى البلع.
أما عن العلاج، فأكد أستاذ المخ والأعصاب أن حقنة «Zolgensma» أكبر علاج فى العالم سعرًا، لكنه السبيل الوحيد لعلاج مرضى ضمور العضلات الشوكى للنجاة من هذا المرض اللعين، ويحصل الطفل المصاب على جرعة واحدة فقط، ويخضع لمتابعة طبية من قبل المختصين لمدة ٣ أشهر.
استشارى أمراض الأطفال: المبادرة تنهى معاناة آلاف الأسر المصرية
ذكر الدكتور أشرف عيسى، استشارى طب الأطفال وحديثى الولادة، أن مرض الضمور العضلى الشوكى عند الأطفال اضطراب وراثى يتسبب فى إضعاف عضلات الجسم تدريجيًا، ويحدث نتيجة أسباب وراثية تمنع الجسم من صنع البروتينات اللازمة لبناء عضلات سليمة، ويفقد الطفل قدرته على القيام بمختلف الحركات مثل المشى والجلوس فى وضع مستقيم والتنفس بسهولة وتحريك الذراعين واليدين.
وقال: «المرض له أشكال مختلفة، ويؤثر بدرجة كبيرة على العضلات، وأحيانًا تظهر الأعراض فى سن مبكرة أو تتأخر لتظهر عند سن البلوغ، ونادرًا ما تظهر أعراض المرض لدى الطفل قبل ٦ أشهر من الولادة».
وأضاف: «الدواء موجود خارج مصر فى بعض الدول مثل إنجلترا، وتحمل الدولة تكلفة العلاج سينقذ حياة الآلاف من المرضى، وينهى معاناة الأسر ويقضى على مشكلة تهريب الدواء».
وتابع: «مرض ضمور العضلات منتشر فى مصر منذ سنوات، لكن التشخيص الخطأ كان سببًا رئيسيًا فى عدم وجود إحصائيات دقيقة عن عدد المرضى، كما أن ارتفاع تكلفة العلاج جعلت الأطباء يلجأون لحلول بديلة، لكنها لا تجدى نفعًا».
رئيسة جمعية خيرية: خطوة عظيمة ينتظرها الآلاف.. والدعم النفسى مهم
تقول الدكتورة شريفة مطاوع، رئيسة مجلس إدارة جمعية ضمور العضلات، إن الجمعية تأسست عام ٢٠١٥ فى محافظة السويس، وكانت الخطوة الأولى لحدث كبير من نوعه، بشأن مرضى الضمور العضلى فى مصر، كونهم عانوا فترة طويلة من بحثهم عن علاج دون جدوى. وتضيف: «فى بداية عام ٢٠١٦، كان للجمعية دور قوى فى تدشين فعاليات وندوات تتضمن المطالبة بحقوق مرضى الضمور وحقهم فى الحصول على العلاج، وتواصلنا مع الجهات المعنية للبحث عن حلول، حتى استجاب لنا الرئيس». وتشير إلى تقديم خدماتها لأكثر من ألفى مريض، من خلال متابعتهم صحيًا ونفسيًا من قبل أطباء تابعين للجمعية، إلى جانب عقد ورش نفسية وصحية لمتابعة أحوالهم الصحية، وعرض مطالبهم على الجهات المعنية. أما عن الآليات المتبعة لتوفير العلاج، فتوضح أن هناك أجهزة مساعدة يتم توفيرها للمرضى مثل الكراسى المتحركة، بجانب تحمل تكلفة بعض العمليات الجراحية، بهدف علاج انحراف العمود الفقرى وتقلصات المفاصل.
وأعربت عن سعادتها البالغة بالقرار الذى اتخذه الرئيس السيسى بشأن مرضى الضمور العضلى، ووصفته بأنه خطوة عظيمة كان ينتظرها آلاف المرضى منذ سنوات عدة.
ووجهت الشكر للمتبرعين الذين يسعون دومًا لإنقاذ حياة مرضى الضمور العضلى، سواء كانوا من الأطفال أو الكبار، ويساعدون فى توفير العلاج اللازم والأجهزة الطبية.