طفلة وأب وثالثهما الشيطان
إنها جريمة 2021..
بنت الـ 16 عامًا تعرضت للتحرش والاغتصاب من أبيها. أقرب شخص إليها أحال رباط الدم إلى ماءٍ مهين. هذه القضية تجعلنى أطرح هنا بعض أسئلة دارت فى مخيلتى وأرَّقتنى.
ترى، كم عدد البنات أو - بمعنى أدق - الفتيات الصغيرات اللاتى تم اغتصابهن؟ ومن منهن لديها الجرأة لتتكلم؟ وكم عائلة استطاعت أن تأخذ موقفًا حقيقيًا وتقدم بلاغًا رسميًا؟ وكم عائلة فضَّلت الصمت اتساقًا مع المثل الشعبى الشهير "اكفى على الخبر ماجور"؟ وما موقف المجتمع من هذه الطفلة التى تم اغتصابها؟ وما ذنبها الذى اقترفته وهى طفلة بريئة لا تعرف من تحديات الحياة سوى الحصول على هدية تلعب بها أو شراء حلوى؟ وإذن، كيف يتم إنقاذ مثل هؤلاء الفتيات دون التنمر ضدهن أو التعامل معهن باعتبارهن عارًا على المجتمع وعلى أسرهن، ودون التشهير بهن وبأسرهن؟
اتخذت الدولة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى العديد من الإجراءات والقرارات التى دعمت النهوض بالمرأة المصرية ومكانتها، وأيضًا الحفاظ على شرفها خاصة فى قضايا التحرش. ولذا أتساءل: كيف يمكن للمجتمع أن يُسهم فى إعادة تأهيل هؤلاء الفتيات ليستعدن براءتهن مرة ثانية، وإعادة دمجهن فى الحياة؟ وما موقف الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد والأحكام العرفية خاصة فى الريف والصعيد؟
وما موقف المجلس القومى للمرأة؟ وما موقف وزارة التضامن الاجتماعى؟ وكذلك ما موقف القوانين من رد فعل المجتمع بإقصائها من الحياة هى وعائلتها؟
لا بد من إعادة النظر فى تلك المتغيرات بعد أن أصبحنا نتداول كل شىء على الفيسبوك، سواء كان صحيحًا، أم لا، بدون مراعاة للظروف والأسباب، ودون توخى الحذر فى معرفة حقيقة ما حدث، كما تحتاج تلك المشكلة إلى إعادة النظر من الفقهاء والمشرعين والقضاة لردع أى محاولة للتنمر على هؤلاء الفتيات أو التشهير بهن أو إقصائهن عن ممارسة حياتهن بشكل طبيعى مرة ثانية، سواء بالإكراه أو التهديد أو القتل، كما حدث قبل ذلك كثيرًا فى سنوات مضت، حينما كانوا يحمِّلون الطفلة المظلومة المسئولية بالكامل عما تعرضت له.
مثل هؤلاء الآباء هم بمثابة سرطان فى جسد مجتمعنا المصرى، ولا بد من البتر والقصاص العادل منهم، وتطهير الأرض والحفاظ على الشرف والكرامة لكل فتاة لم تعلم من الدنيا شيئًا سوى أنها ابنة الجانى القاتل، وهى الفريسة التى لا حول لها ولا قوة.
شاهدتُ جلسة المحكمة التى حكمت على الأب بالسجن المشدد بتهمة اغتصاب ابنته أو طفلته التى لم تتجاوز الـ 16 عامًا تحت التهديد بالقتل؟ وسألت نفسى: ما مصير تلك الطفلة بعد ذلك الحكم، وبعد الفرحة أو "الزغروطة" التى أُطلقت فى القاعة بعد الحكم على الجانى، على أبيها؟
إنها لا تدرك فى تلك اللحظة ما ينتظرها فى المستقبل. كانت ترد على القاضى بنبرة صوت حزينة عندما سألها: اسمك إيه يا شاطرة؟ صوتها يحمل آلامًا كثيرة، ومع هذا كان أعلى من أى صوت فى المحكمة. صوت يتمرد على الجُرم والانكسار. صوت يقول أنا الضحية والفريسة والمجنى عليها. من الآخر.. ما نظرتك لفتاة اغتصبها أبوها؟ وما نظرة المجتمع الريفى تحديدًا لها؟ وكيف ترى مستقبلها؟ وكيف يتم إنقاذ حواء وتأهيلها واسترداد براءتها وطفولتها وشرفها فى المجتمع؟
هل تجربة المرأة فى المجتمع الريفى تنذر المجتمع، وتدفعه لإصدار قانون لحمايةهذه الطفلة وغيرها، لتعيش حواء فى وطن لا يهدر حقوقها؟