«لجنة الله».. عندما يكون «قرار الحياة والموت» بـ«جرة قلم»
في مطلع الشهر الجاري٬ استقبلت دور العرض السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية٬ فيلم من تأليف وإخراج٬ المخرج أوستين ستارك٬ تحت عنوان the god committee أو "لجنة الله". وكان العرض الأول للفيلم على مستوى العالم في مهرجان تريبيكا السينمائي في 20 يونيو 2021.
يمهد الفيلم حتى ومن قبل أن يبدأ باستعراض سريع لمسيرة الأطباء في العالم عبر التاريخ٬ ربما ليذكر المشاهد/ متلقي الفيلم بالتضحيات القريبة منه٬ تلك التي بذلها الأطباء ومساعديهم من فرق التمريض حول العالم٬ على خلفية فيروس كورونا الذي اجتاح العالم قبل ثلاثة أعوام.
تدور أحداث الفيلم مركز لنقل الأعضاء البشرية٬ داخل إحدى المستشفيات. في القلب من هذا المركز اللجنة التي تدير عمليات نقل الأعضاء٬ سواء من المتبرعين أو المتوفيين في حوادث القتل أو الطرق أو حتى من يتركون الوصايا بالتبرع بأعضائهم وغيرها.
يتطرق الفيلم إلى قضية شائكة جدا وشديدة التعقيد٬ ألا وهي الضغوط الأخلاقية والنفسية التي يتعرض إليها متخذي القرار في لجنة نقل الأعضاء هذه. فهذه اللجنة الجماعية المكونة من مديرة المركز وأعضاءها الأطباء٬ من بينهم أطباء نفسيين وعلماء اجتماع٬ ورجل دين يمثله أحد القساوسة.
نقل مخرج الفيلم ومؤلفه أوستين ستارك٬ مشاهدي الفيلم داخل قاعة اجتماعات هذه اللجنة٬ لجنة الله٬ بل صار متلقي الفيلم واحدا من أعضاء هذه اللجنة التي غلبت مشهدها على إجمالي مشاهد الفيلم. ففي المناقشات المستعرة بين أعضاء اللجنة حول من الأحق والأجدر والأولى في تلقي قلب يستعدون لوصوله عبر الطائرة٬ هل هي تلك السيدة المريضة المسنة حتى تستكمل حياتها بين أفراد عائلتها٬ وحتى لا يفتقدها أحفادها إذ ما هي لم تتلقى هذا القلب وماتت؟. وهل سيدة في عمرها الذي دام لثمانين عام تستحق إنقاذ حياتها وإطالة عمرها بنقل هذا القلب أم أن هناك من أصغر منها هو الأحق بهذا القلب؟. ورغم أن هذه السيدة كانت ضد فكرة نقل الأعضاء وترفضها٬ وعندما تتعرض للاختبار وتصبح حياتها على المحك تقبل بنقل القلب إليها. إلا أنها وفيما يجهزونها على طاولة العمليات تلقي حتفها خوفا من إجراء العملية في الأساس٬ فتموت ميتة طبيعية بالسكتة الدماغية من شدة الذعر.
يعود أعضاء لجنة الله إلي طاولة الاجتماع مرة ثانية٬ لتشهد المناقشات هذه المرة الكثير من العنف النقاشي الجدلي٬ حول من الأجدر الآن بتلقي القلب الذي لن ينتظر طويلا٬ وعلى اللجنة حسم أمرها في غضون عشر دقائق لا أكثر حتى لا يفسد القلب ويمكن الاستفادة منه لإنقاذ حياة أحدهم. وترجع اللجنة مرة أخرى إلى المربع صفر٬ ويكون الاختيار بين أحد المرضى في المستشفى والذي ينتظر منذ ستة أشهر ليعثر على قلب متبرع يوافقه٬ وهو الأولى خاصة وأنه رب أسرة كبيرة تنتظره. وهو عائلها الوحيد ٬لكن تبرز المشكلة التي لا ترجح اختياره خاصة وأنه حاول الانتحار أكثر من مرة٬ وهنا يصوت أغلب أعضاء اللجنة بالسلب نحوه٬ وتصوت لصالح الشاب الثري الذي دخل المستشفى إثر حادث سير٬ صحبة صديقته. وهناك شكوك حول وجود مخدرات في جسمه٬ وخاصة وبما عرف عن سجله الطبي من أنه مدمن على تناول المخدرات.
وعندما نظن أن الاختيار أصبح في صالح الفتي الثري٬ تعترض الطبيبة الشابة٬ خاصة وأنها عندما تحدثت مع صديقة هذا الشاب علمت منها أنها تعرضت للضرب منه حتى كادت تجهض حملها٬ وأن أعضاء اللجنة صوتوا لصالح الشاب لا لشيء سوى أنه نجل أكبر المتبرعين بالأموال لمركز نقل الأعضاء وللمستشفى عامة٬ والذي ربط تبرعه للمستشفي والمركز بـ25 مليون دولار شريطة حصول ابنه على القلب وإنقاذ حياته.
في كواليس هذه الاجتماعات يدور حوار آخر عنيف بين أكبر الأطباء ورئيسة اللجنة٬ فبينما تحاول إقناعه منفردا بالتصويت لصالح الشاب الثري لنقل القلب إليه٬ حتى يضمن المركز استمرار عمله وإنقاذ حيوات كثيرين تتوقف حياتهم علي نقل الأعضاء وعمل المركز٬ إلا أنه يرفض توجيهها له في التصويت إلا أنه يرضخ في النهاية ويصوت لصالح الشاب الثري٬ أو كما قال في نهاية حديثه في الاجتماع قبل أن يذهب لغرفة العمليات لنقل القلب للشاب الثري: "أصوت لصالح المركز.. أصوت لصالح الـ25 مليون دولار".
على الجانب الآخر نرى كبير الأطباء هذا يواصل أبحاثه ليل نهار ويسابق الزمن في عمله على استحداث قلب من الحيوان بديلا عن القلب البشري٬ لإنقاذ الجميع وليس فقط من يملكون المال لإنقاذ حيواتهم. المفارقة هنا أنه أيضا يحتاج إلى زرع قلب٬ وعندما يجدون المتربع الملائم له٬ يقضي الطبيب نحبه في الطائرة قبل أن يصل للمكان الذي ستجري فيه عملية نقل القلب إليه.