قلاع مصر وحصونها.. القواعد العسكرية الجديدة.. تُحقق الردع فى مجابهة التحديات الإقليمية
تَرافق إعلان الجمهورية الجديدة، التى تتمثل فى إعادة بناء الدولة بشكل شامل، مع خطوات ثابتة وهادئة لتأهيل قوة عسكرية متطورة رادعة لحماية الشعب المصرى ومقدارته وحدوده وثرواته الاقتصادية، بريًا وبحريًا، مع تركيز القيادة السياسية والعسكرية والصفقات التسليحية للجيش المصرى منذ عام ٢٠١٤ على إجراء أكبر عملية تحديث شامل فى تاريخ القوات المسلحة المصرية منذ تدشين الجمهورية.
ويأتى التحديث الشامل فى ظل الأحداث التى دارت فى المجال الاستراتيجى المصرى، من سوريا شمالًا إلى ليبيا غربًا، ومن البحر الأحمر ومضيق باب المندب ومنطقة القرن الإفريقى جنوبًا إلى مياه البحر المتوسط شمالًا، ما فرض على الجيش المصرى حتمية تعزيز قدرات الردع، وتطوير البنى التحتية العسكرية داخل حدود الدولة، لاستيعاب التطور الكمى والكيفى فى قدراته القتالية.
وفى مواجهة التحديات، عملت القوات المسلحة المصرية على تطوير ورفع كفاءة وتوسعة القواعد القائمة بالفعل، ومنها قواعد مدينة الإسكندرية مثل رأس التين وأبوقير، وكذلك قواعد بورسعيد والسويس وسفاجا وقاعدة اللنشات البحرية بمطروح، والأرصفة الحربية بموانئ دمياط والغردقة وشرم الشيخ، لتتكامل المنظومة مع مخططات التحديث الشاملة للقوات المسلحة المصرية.
وخلال سنوات قليلة، بدأ العمل على تدشين قواعد عسكرية برية وبحرية وجو- بحرية، للتفاعل مع أى تهديدات أو تحديات أو مهام توكل للقوات المسلحة المصرية، وكانت البداية فى عام ٢٠١٧، من قاعدة محمد نجيب البرية، أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط، نظرًا لاحتضانها أكبر فوج لنقل الدبابات، وتلاها افتتاح قاعدة برنيس الجو- بحرية، المطلة على البحر الأحمر فى عام ٢٠٢٠، وخلال العام الجارى، تم افتتاح قاعدة ٣ يوليو الجو بحرية، المطلة على البحر المتوسط، ومن المنتظر كذلك افتتاح قاعدة شرق بورسعيد البحرية قريبًا، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
محمد نجيب: الأكبر فى الشرق الأوسط لحماية محطة الضبعة والحدود الغربية
فى ٢٢ يوليو ٢٠١٧، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية، بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، بالتزامن مع احتفالات مصر بذكرى ثورة ٢٣ يوليو.
وتعد القاعدة، الواقعة فى نطاق مدينة الحمام بمحافظة مطروح، أكبر قاعدة عسكرية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وتهدف لحماية الحدود الغربية المصرية، وكذلك مشروع الضبعة النووى، وردع التهديدات الإرهابية.
وتضم قاعدة محمد نجيب العسكرية ١١٥٥ منشأة حيوية، و٧٢ ميدانًا تدريبيًا، وقاعة مؤتمرات كبرى، وعددًا كبيرًا من ميادين الرماية، وسكن الضباط وضباط الصف، تشتمل الإنشاءات فيها على إعادة تمركز فوج لنقل الدبابات يسع لنحو ٤٥١ ناقلة حديثة لنقل الدبابات الثقيلة من منطقة العامرية، وكذلك إعادة تمركز وحدات أخرى من منطقة كينج مريوط، ليكتمل الكيان العسكرى داخل القاعدة.
ومن إحدى مهام القاعدة تأمين المناطق الحيوية بنطاق مسئوليتها غرب مدينة الإسكندرية ومنطقة الساحل الشمالى، ومن بينها محطة الضبعة النووية وحقول البترول وميناء مرسى الحمراء ومدينة العلمين الجديدة وغيرها، فضلًا عن المساهمة فى الحد من التحركات العسكرية وإجراءات الفتح الاستراتيجى فى ظل التكدسات المرورية داخل مدينة الإسكندرية، فضلًا عن كونها تمثل قاعدة للتدريب المشترك مع الدول الشقيقة والصديقة تتوافر بها جميع الإمكانيات بشكل حضارى متطور.
وتم إنشاء جميع مبانى الوحدات المتمركزة بالقاعدة بإجمالى ١١٥٥ مبنى ومنشأة، وتطوير وتوسعة الطرق الخارجية والداخلية بالقاعدة بطول ٧٢ كيلومترًا، منها وصلة الطريق الساحلى بطول ١١.٥ كيلو متر، وطريق البرقان بطول ١٢.٥ كيلو متر، ووصلة العميد بطول ١٤.٦ كيلو متر، والباقى طرق داخل القاعدة بلغت ١٨ كيلومترًا، مع إنشاء أربع بوابات رئيسية وثمانى بوابات داخلية للوحدات.
ولتحقيق منظومة التدريب القتالى، تم إنشاء ٧٢ ميدانًا متكاملًا، شملت مجمعًا لميادين التدريب التخصصى وميادين رماية الأسلحة الصغيرة، ومجمع ميادين الرماية التكتيكية الإلكترونية باستخدام أحدث نظم ومقلدات الرماية، كذلك تطوير ورفع كفاءة وتوسعة منصة الإنزال البحرى بمنطقة العميد.
وامتد التطوير الإدارى بقاعدة محمد نجيب ليشمل إنشاء المدينة السكنية المخصصة للتدريبات المشتركة، وفيها ٢٧ استراحة مخصصة لكبار القادة، و١٤ عمارة مخصصة للضباط تم تجهيزها بأثاث فندقى، و١٥ عمارة مماثلة لضباط الصف، مع رفع كفاءة وتطوير ٢ مبنى مجهز لإيواء الجنود بطاقة ١٠٠٠ فرد.
وصاحب ذلك تطوير القاعة المتعددة داخل القاعدة لتشمل «ميس» للضباط وآخر للدرجات الأخرى وقاعات للمحاضرات والتدريب، مع تطوير النادى الرئيسى للقاعدة وتجهيزه بحمام سباحة وصالة للمنازلات الرياضية مزودة بأحدث التقنيات الرياضية والترفيهية.
كما تم رفع كفاءة وتطوير مستشفى الحمام العسكرى، ليكون بطاقة ٥٠ سريرًا وتزويده بأحدث الأجهزة والمعدات الطبية، مع إنشاء معمل وعيادة طبية بيطرية، وتطوير وحدة إنتاج الخبز بالقاعدة لتصبح ٦ خطوط تعمل بالغاز بدلًا من ٤ خطوط قديمة تعمل بالسولار.
وامتدت الإنشاءات الحديثة داخل القاعدة لتشمل قاعة للمؤتمرات متعددة الأغراض تسع ١٦٠٠ فرد، ملحق بها مسرح مجهز بأحدث التقنيات ومركز للمباريات الحربية وتختة الرمل، ومعامل للغات والحواسب الآلية، وتشمل أيضًا متحفًا للرئيس الراحل محمد نجيب، وكذلك إنشاء مسجد يسع أكثر من ٢٠٠٠ مصلٍ، إلى جانب إنشاء قرية رياضية تضم صالة رياضية مغطاة وملعب كرة قدم أوليمبيًا وناديًا للضباط وآخر لضباط الصف مجهزين بحمام سباحة و٦ ملاعب مفتوحة وملاعب لكرة السلة والطائرة واليد.
ومع تعاظم دور قاعدة محمد نجيب العسكرية، سعت المنطقة الشمالية العسكرية إلى الاستفادة منها فى تحقيق اكتفائها الذاتى، من خلال إنشاء العديد من المزارع والمساحات الخضراء، وزراعة ٣٧٩ فدانًا بالأشجار المثمرة، وزراعة ١٦٠٠ فدان بالنباتات الموسمية كالقمح والشعير والفول والخضروات، وإنشاء ٣ أحواض لتكديس المياه العكرة بطاقة ٧٠ ألف متر مربع، لاستخدامها فى الزراعة، وحوض لرى المسطحات الخضراء وأعمال التنسيق بالموقع.
كما سعت المنطقة إلى المساهمة فى مشروع طموح لإنتاج اللحوم، يهدف فى مرحلته الأولى إلى تربية ألف رأس من الماشية، لتواصل المنطقة الشمالية العسكرية مسيرة العطاء والجهد كأحد أبرز التشكيلات التعبوية للقوات المسلحة المنوط بها الدفاع عن الوطن وحماية مقدراته.
واستكمالًا لإقامة البنية الأساسية والتحتية بالقاعدة، تم رفع كفاءة شبكة الكهرباء والإنارة لرفع القدرة ومجابهة زيادة الأحمال وتركيب أنظمة الليد لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية، والاعتماد على خلايا للطاقة الشمسية فى أعمال الإنارة لأجزاء من القاعدة، وكذلك تطوير شبكة مياه الشرب بالقاعدة ومحطات رفع المياه، وتجديد ورفع كفاءة محطات الصرف والمعالجة لمياه الصرف الصحى.
برنيس: الذراع الطولية فى البحر الأحمر لحماية الثروات الجنوبية والملاحة العالمية
فى ١٥ يناير ٢٠٢٠، افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى قاعدة برنيس الجو- بحرية بجنوب مصر على البحر الأحمر، لحماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية، ومن أبرز مهامها حماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية، ومواجهة التحديات الأمنية وتأمين حركة الملاحة العالمية بالبحر الأحمر.
وأقيمت قاعدة برنيس على مساحة ١٥٠ ألف فدان، على طول سواحل البحر الأحمر وحدود مصر الجنوبية، وتعد الأكبر على البحر الأحمر، وتُصنف عسكريًا بأنها غير نمطية، لكونها تتضمن قاعدة بحرية وأخرى جوية ومستشفى عسكريًا وعددًا من الوحدات القتالية، وتعد إحدى القلاع العسكرية ذات القوة الضاربة فى البر والبحر والجو، لمواجهة التحديات الأمنية الإقليمية والدولية.
وتضم قاعدة برنيس عددًا من الممرات كل منها بطول ٣ آلاف متر، وعرض من ٣٠ إلى ٤٥ مترًا، بالإضافة إلى عدد من دشم الطائرات ذات التحصين العالى، وهنجر عام لصيانة وإصلاح الطائرات، كما تضم القاعدة الجوية منطقة فنية تشمل ٤٥ مبنى ومنطقة إدارية تشمل ٥١ مبنى.
كما تضم فى الشق البحرى رصيفًا حربيًا بطول ألف متر وعمق ١٤ مترًا، يسمح بمتطلبات الوحدات البحرية ذات الغاطس الكبير، مثل حاملات المروحيات من طراز ميسترال والفرقاطات والغواصات، وكذلك العديد من ميادين التدريب والرماية، مع إنشاء ميناء تجارى يضم عدة أرصفة بطول ١٢٠٠ متر وعمق ١٧ مترًا، بالإضافة إلى عدد من المنشآت الخدمية.
وتتمركز فى برنيس وحدات ميكانيكية ووحدات مدرعة وعناصر الإشارة ووحدات الحرب الإلكترونية ووحدات المراقبة ومجموعة الدفاع الجوى، كما تضم أحدث الفرقاطات ولنشات الصواريخ والغواصات وحاملات المروحيات بما لها من خواص استراتيجية وتكتيكية تعزز من القدرات الهجومية والدفاعية للجيش المصرى، فضلًا عن وجود عدد من المنشآت الخدمية، بينها مستشفى عسكرى مجهز بجميع المعدات الطبية وغرف العمليات ويضم ٥٠ سريرًا، ومنشآت خدمية أخرى كمحطة لتحلية مياه البحر بطاقة ٣٤٠٠ متر مكعب فى اليوم.
وتم ربط كل المنشآت بالقاعدة بشبكة من الطرق الرئيسية، بإجمالى أطوال ٤٠ كيلومترًا، وطرق داخلية بأطوال تصل إلى ١١٠ كيلومترات، بالإضافة إلى أعمال الشبكات والمرافق وعدد من الأعمال الصناعية لمواجهة أخطار السيول.
«3 يوليو» بجرجوب: نقطة الارتكاز ومركز الدعم اللوجستى بالبحر المتوسط
فى ٣ يوليو ٢٠٢١، افتتحت مصر قاعدة «٣ يوليو» العسكرية، قرب الحدود الغربية مع ليبيا على مساحة ٢٦٥٠ فدانًا، وتضم ٢٢ كيلومترًا من الطرق لتكون نقطة ارتكاز ومركز انطلاق للدعم اللوجستى للجيش المصرى لمجابهة التحديات والتهديدات، وتقع القاعدة التى تحمل تاريخ إسقاط المصريين لحكم الإخوان فى ٣ يوليو ٢٠١٣ فى منطقة جرجوب، بمدينة النجيلة، غربى محافظة مطروح الساحلية.
وتعد القاعدة أكبر مجمع للوحدات البحرية، وبها أكثر من ٧٠ وحدة و٤٧ قطعة بحرية، وتم تنفيذها على ٦ محاور رئيسية تضم منشآت ومبانى تدريبات مشتركة، ومخازن إدارية، وبرج مراقبة لمراقبة حركة تحكم السفن فى مساحات كبيرة فى البحر المتوسط.
وتعد قاعدة برنيس نقطة انطلاق هى الأكثر قربًا لمواجهة أى مخاطر محتملة من اتجاه البحر الأبيض المتوسط، خاصة أنها تبعد ١٤٠ كيلومترًا فقط عن ليبيا، ونحو ١٧٠ ميلًا بحريًا عن قاعدة الإسكندرية البحرية.
وتنوعت مكونات قاعدة ٣ يوليو البحرية لتشمل ٧٤ منشأة، بالإضافة إلى مهبط طائرات ملحقة به قاعة لاستقبال كبار الزوار، وعدد من ميادين التدريب ومركز للعمليات مزود بأحدث المنظومات، وآخر للتدريبات المشتركة، فضلًا عن رصيف حربى بطول ١٠٠٠ متر وعمق ١٤ مترًا، وعدد من الأرصفة التجارية بطول ٢٢٠٠ متر وعمق ١٧ مترًا.
كما تضم برجًا لمراقبة الميناء بارتفاع ٢٩ مترًا، وحاجزين للأمواج بطول ٣٦٥٠ مترًا، وعددًا من العمارات السكنية و«ميس» للضباط، و٥ مبانٍ للإعاشة وفندقًا بمساحة ٦٣٠٠ متر مربع، وقاعة مؤتمرات تتسع لـ٧٠٠ زائر، ومجمعًا للأنشطة الرياضية يضم صالة رياضية مغطاة، وصالتى اسكواش، وصالة جيم، وحمام سباحة أوليمبيًا، ومسرحًا رومانيًا مكشوفًا يسع ٦٠٠ فرد، ومبنى خدمات ونقطة طبية مجهزة ومسجدًا بمساحة ١١٠٠ متر.
وتؤمن القاعدة ببوابات مدعومة بموانع قوية لحمايتها، وأسوار مزودة بكاميرات مراقبة تليفزيونية، لتكتمل منظومة التطوير بالقوات البحرية المصرية التى شهدت تطورًا كبيرًا ونقلة استراتيجية فريدة خلال السنوات الماضية، من خلال امتلاكها أكثر من قاعدة وأسطول وقطع بحرية ذات مستوى قتالى عالٍ.