عيشوا حياتكم
فى المؤتمر الأول الذى عقد لمبادرة «حياة كريمة».. المبادرة التى تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المصريين بقدر الإمكان، عن طريق التخفيف عن كاهل المواطنين الأكثر احتياجًا بالريف والمناطق العشوائية بالمدن، بالعمل على حل مشاكلهم التى على رأسها توفير فرص العمل والاهتمام بأحوالهم المعيشية من مسكن وملبس وطعام ومياه نظيفة، والاهتمام بالأيتام وكبار السن والنساء المعيلات والمطلقات، والأشخاص ذوى الهمم- هذه المبادرة، التى تعد من الأفكار الإنسانية النبيلة، أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يناير ٢٠١٩ لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا على مستوى الدولة وتطوير الريف.. وعبر الاحتفال الأول بها وجّه السيسى كلامًا للمصريين حول أزمة سد النهضة، التى لا حديث حاليًا فى الشارع المصرى سوى عنها، فهو يدرك تمامًا قلق المصريين بشأن مياه النيل، الذى قال عنه أثناء الاحتفالية إنه قلق مشروع.
ولأن مصر هبة النيل، فلن تكون هناك حياة كريمة فى مصر دون الحفاظ على النيل، ودون حماية حقوق مصر التاريخية فيه، وحديث الرئيس من على منصة احتفالية «حياة كريمة» كان رسالة قوية لطمأنة المصريين.. رسائل الرئيس كانت واضحة وقوية لأنها من قلبه وبعفوية، لذلك وصلت للناس الذين هم فى أشد الحاجة لسماع ما يطمئنهم أن أمن مصر القومى «خط أحمر» لا يمكن اجتيازه، شاء من شاء وأبى من أبى رغم الحكمة والجنوح إلى السلم.
وقال أيضًا نحن كمصريين لا يليق بنا أن نقلق، لأن مصر أصبحت تمتلك من الأدوات السياسية والقوة العسكرية والاقتصادية ما يعزز من إنفاذ إرادتنا وحماية مقدراتنا، وفى إشارة إلى قوة الجيش المصرى التى لا يستهان بها قال «قبل ما تحصل حاجة لمصر يبقى لازم أنا والجيش نروّح الأول عشان يحصلها حاجة»، مداعبًا الشعب المرح، والشارع المصرى بكلمة يستخدمها كثيرًا هذه الأيام «بلاش هرى».
رغم ضبابية المشهد وتشاؤم البعض، فإن اليقين الراسخ أن قضية سد النهضة ستنتهى آجلًا أو عاجلًا، ولن تُضار مصر على الإطلاق، لن يسمح أحد بذلك، لا شعبها ولا جيشها ولا رئيسها، وما يحدث الآن ما هو إلا ألاعيب مكشوفة، حتى لو استطاعت إثيوبيا أن تحصل على تأييد ودعم بعض الدول، الذى لن يطول كثيرًا، لأن حق مصر تاريخى وقدرى لم يخطط له بشر، بل رب العباد الذى جعل النيل يجرى فى أرضها وأرض السودان.
ومصر هى الأقوى والأكبر والأهم فى منطقتها وقارتها، وحقوق مصر ثابتة ولن تتغير بصراخ إثيوبيا وسعيها وراء بناء هذا السد منذ سنوات طوال، كما جاء فى أوراق المخابرات البريطانية عام ١٩٦١، التى أشارت إلى رغبة إثيوبيا وتطلعاتها حول نهر النيل.. ويبدو أن كل آمالها كانت مؤجلة إلى حين.. وجاءتها الفرصة فى عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك، وأتذكر أنه فى عام ٢٠٠٨ تقريبًا بدأ الحديث بصوت عالٍ من إثيوبيا عن رغبتها فى إنشاء السد.. وكانت بالفعل فى هذا التوقيت بدأت فى الشروع فى بنائه، وطبعًا العزلة التى فرضها مبارك على مصر عن محيطها الإفريقى، حيث كانت غالبية دول القارة تعادى الدولة المصرية، أتاح لها الفرصة فى توقيع اتفاقية عنتيبى فى مايو ٢٠١٠، وهى الاتفاقية التى وقعت عليها دول المنبع فى حوض النيل، بينما اعترضت عليها دولتا المصب مصر والسودان.. لأنها تُنهى ما يسمى بالحصص التاريخية لهما فى مياه النهر، وأثناء انشغال مصر بثورة يناير استغلت إثيوبيا ذلك وبدأت فى بناء السد، وكأنها سرقته فى غفلة من الزمن.
وهكذا إثيوبيا الآن، تريد سرقة ماء النيل من مصر والسودان، وحرمان الشعوب التى عاشت قرونًا على مياه النهر العظيم، وشيدت مصر على ضفافه أعظم حضارة فى التاريخ وكانت منارة للكون كله.
ولكن هيهات، وكما قال الرئيس السيسى فى استاد القاهرة، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، إن مصر فعلت وما زالت تفعل كل شىء بعقل راشد وتخطيط عميق، وتريد نهر النيل أن يكون نهرًا للشراكة والخير للجميع، ونحن معكم بشرط «محدش يقرب من ميّة مصر».
وطالب الرئيس باتفاق قانونى مُلزم للدول الثلاث، ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة، حيث قال إننا تحركنا فى هذا المسار وما زلنا نتحرك فيه ليحقق لنا الخير جميعًا والسلام والاستقرار بعيدًا عن أى تهديد، وأشار بقوة للإعداد الذى يعد داخل مصر، وفى هذا إشارة قوية لما تفعله مصر من جانبها لتحافظ على المياه.. فقال إننا نقوم بمشاريع لتوفير كل نقطة مياه للحفاظ عليها، مثل مشروع «تبطين الترع» الذى رصد له ٦٠ مليار جنيه لتوفير المياه وأشياء كثيرة أخرى، وكذلك المحطات المعالجة التى أنشئت خلال السنوات الأربع الماضية، وما زالت تنشئ، الهدف منها الاستفادة القصوى من المياه، أى أننا أخذنا بالأسباب فى كل شىء.. ولا نريد حرمانًا أو شرًا بأحد، بل نريد حقنا فقط، لذلك قال السيسى للمصريين بمنتهى الثقة «عيشوا حياتكم».