قيمة «العمل» التى أحيتها 30 يونيو
من بين كل ما لـ«٣٠ يونيو» من سجايا وأفضال سيسجلها التاريخ.. أتوقف كثيرًا أمام قيمة العمل التى أحيتها هذه الثورة وقائدها.. بعد طول موات.. إن ما أذكره قبل يناير ٢٠١١ أن قيمة العمل كانت قد تراجعت كثيرًا فى حياة المصريين.. وبدت الدولة وكأنها فى حالة تثاؤب طويل.. وبدا أن رأس الدولة فى حالة إجازة طويلة فى منتجع شرم الشيخ.. وكان هذا ينعكس على الأداء السياسى لجهاز الدولة كله.. وللأجهزة المعاونة له.. ولم ينعكس هذا فقط على تباطؤ الإنجاز أو انعدامه، إذا شئنا الدقة.. لكنه أيضًا كان مغريًا لمن يريد التآمر، وعلامة على أن الطريق مفتوح لإسقاط الدولة.
وأذكر أننى قابلت المحامى الإخوانى عصام سلطان فى عام ٢٠٠٩.. فقال لى: «الرجل فى شرم الشيخ طوال الوقت ومنشغل جدًا بأحوال أسرته وبالأطفال على وجه الخصوص».. والمعنى أن غياب الدولة القوية كان أكبر تشجيع لمن يريد إسقاطها.. ولا ريب أن الإخوان كانوا يشيعون ذلك من خلال عملائهم المزدوجين، الذين تظاهروا بالانشقاق عن الإخوان حتى يستطيعوا تسريب ما يريدون من معلومات للإعلام وللنخبة السياسية ومؤسسات الدولة المختلفة.. بشكل عام تراجعت قيمة العمل فى حياة المصريين.. نتيجة عوامل متعددة.. منها تفشى المحسوبية والواسطة، وإدراك البعض أن الفرص تمنح على أسس أخرى غير العمل والتفانى فيه، وشيوع القصص عن ثراء البعض فى غمضة عين.. دون احتياج إلى العمل أو غيره.. وأصبح بعض عمالنا وموظفينا يتعامل مع العمل على أنه عبء ثقيل، فيقطعه بإجازات لأسباب متعددة، كأن يقول لك مثلًا إن زوجته على وشك الوضع وإن هذا يقتضى عدة أيام من الإجازة، أو إن قريبًا له توفى وإن هذا يقتضى أن يسافر لبلدته ليحصل على عدة أيام أخرى.. وهكذا.. وساعد على هذا تدنى المرتبات فى بعض القطاعات، واضطرار البعض للعمل فى أكثر من وظيفة، مما يؤدى لعدم إخلاصه لأى منها.
والحقيقة أن الرئيس السيسى هو الذى أعاد الاعتبار لمعنى العمل وقيمته، فمنذ اليوم الأول له فى الحكم أعلن عن أنه يبدأ عمله من السابعة صباحًا، وأنه على وزراء الحكومة أن يبدأوا عملهم فى هذا الوقت المبكر، وبدا من المعلومات المتاحة عن نمط حياته الشخصية أنه يدخر وقته للعمل.. فقد قال عنه قائده ووالده الروحى المشير طنطاوى إنه كلما سأل عنه أثناء عمله معه وجده إما فى العمل أو فى صالة التدريب الرياضى، أو يؤدى فروضه الدينية، وبدا من أحاديث أخرى أنه يستيقظ قبل صلاة الفجر ولا يعود للنوم مرة أخرى، وأنه يبدأ عمله مبكرًا بعد أن يمارس الرياضة.. والحقيقة أن قيمة العمل مرتبطة بقيمة أخرى هى قيمة النزاهة الشخصية، ونظافة اليد، حيث يعتقد الشخص الشريف أن العمل هو طريقته الوحيدة لتحقيق أهدافه، وإثبات ذاته، وتغيير مجتمعه، وهو ما يفعله الرئيس السيسى.. الذى يقضى ساعات طويلة فى مقابلات ومحادثات تليفونية، يتابع فيها سير العمل فى مئات المشروعات الكبرى التى تتفرع عنها آلاف المشروعات الأخرى، ويمسك بكل التفاصيل، ويحضر فى رأسه كل المعلومات، بشكل يدفع إلى الإعجاب من هذه القدرة على العمل، والإتقان، وعدم الاكتفاء برسم الخطط، ووضع الأهداف الاستراتيجية، ولكنه ينتقل من مرحلة التخطيط لمرحلة التنفيذ ومتابعة التنفيذ وحل المشكلات التى تعترض المراحل المختلفة، وهى صفة لم تكن موجودة فى رؤساء مصر السابقين باستثناء الرئيس جمال عبدالناصر تقريبًا.. ولا شك أن هذا السلوك والدأب على العمل واحترام قيمته هو سمة تميز مجموعة العمل القريبة من الرئيس، وأنه بدأ ينتقل عبر المسئولين المختلفين إلى دوائر أوسع وأوسع من مسئولينا.. فتحية لهذه الثورة العظيمة.. ولقيمة العمل التى أحيتها فى نفوسنا مرتبطة بقيم الشرف، والنزاهة، ونظافة اليد.. وهى قيم طال افتقادنا إليها فى العقود الماضية.