علي جمعة: نحن في حاجة ماسة لبناء مفهوم الأمة الواحدة
قال الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إنه في حالة فقدان مفهوم الأمة تصير عملية بناء الحضارة مستحيلة حيث إننا سنظل دائرين في حلقات مفرغة لا نهائية، وأشبِّه هذه الحالة المأزومة بسيارة قد غرزت في رمل أو وَحْلٍ، ثم تبين بعد ذلك أن إخراج هذه السيارة من الوحل ليس هو كل شيء، إذ عندما أردنا أن نخرجها وجدناها مكبلة بالكوابح، وعند فك هذه الكوابح وجدناها قد صدئت في أجزائها، وعندما جلونا الصدأ عنها وجدناها معطلة تحتاج إلى إصلاح فني، وعندما أصلحناها وجدناها من غير وقود، فلما اجتهدنا وجئنا بالوقود اكتشفنا أنه لا يوجد سائق لها، وعندما أوجدنا السائق بالتي واللُّتَيَّا لم يكن يعرف الطريق فسار بنا في متاهة، وكلما رأى شيئًا ظنه هو الطريق الصحيح فسار فيه ثم رجع فضاع الوقت، وأظلم الليل فازدادت المتاهة وازداد الإجهاد به وبنا.. فهل من مخرج معقول؟.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلا : هذه الأزمات نمارسها سويا الآن في ظل ضياع مفهوم الأمة الواحدة، فهناك منا من هو في مرحلة الغرز، ومنا من هو في مرحلة الكوابح، ومنا من هو في مرحلة الصدأ، ومنا من هو في مرحلة العطل، ومنا من هو في مرحلة فقد السائق أو فقد الطريق أو الإجهاد المزري، بل يمكن أن يصل الأمر إلى مرحلة لا نجد فيها السائق ولا حتى السيارة من أساسه، وحينئذ فإن الأزمة ستصير كارثة بكل المقاييس.
وأشار : ولهذا فنحن في حاجة ماسة لبناء مفهوم الأمة الواحدة، وأن يتم ذلك بمراجعة مناهج التعليم الأساسي والعالي مراجعة قومية لا تقتصر على اتجاه ولا تتبع مناهج الغير، بل تنطلق من رؤيتنا التي لابد أن تصاغ في صورة واضحة أيضا، فنحن أمة تؤمن بأن الإنسان مخلوق لخالق، وأنه مكلَّف في هذه الحياة الدنيا وأن هناك يوما آخر نعود فيه إلى ربنا، وأن الإنسان مكرَّم ومحترم وليس مجرد جزء من الكون أو مادة تجرى عليه الأحداث بعبثية، وأن الأمر صادر عن حكيم سبحانه.
وتابع : نحـن أمة تؤمن بالحرية والتعددية، ونؤمن كذلك بأن البحث العلمي لا نهاية له ولا حد له ولا سقف يحده، ولكن نستعمل منتجات العلم في العمارة لا في الفساد، ولذلك فنحن ندعو إلى الإبداع لا إلى الهتر، ونحترم الأسلاف ونرى أنهم قاموا بواجب عصرهم، كما يجب علينا أن نقوم بواجب عصرنا، وكذلك نقدِّر الأسرة ونحافظ عليها، ونحترم الجماعة في جمعيتها.
وأشا : هذا هو الطريق إذا أردنا أن نبني الحضارة، فعسى الله أن يَمُنَّ علينا وأن يُمَكِّنَّا في الأرض كما مكّن الذين من قبلنا: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:٤١].