باحث سياسي: آبى أحمد يغطي فشله الداخلي بالتعنت في ملف سد النهضة
اعتبر الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد منصور، أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبى أحمد، يتأصل لديه سياسة "الهروب إلى الأمام" في الذهنية السياسية، قائلا إنه لجأ إليها بشكل أساسي في ملف سد النهضة، لمحاولة تحقيق انتصار دعائي يسوق داخلياً على أنه دفاع عن المصالح السياسية والاقتصادية لأديس أبابا.
وأضاف منصور في تصريحات خاصة لـ"الدستور" أن آبي أحمد لجأ لهذه السياسة نتيجة لفشل رهاناته الداخلية على المستوى الأمني والسياسي، قائلا: فقد اتخذ منذ بداية حكمه مبدأ "فرق - تسد"، للعب على أوتار الخلافات القديمة بين القوميات الإثيوبية المختلفة، ويبلغ عددها أكثر من 80 قومية.
إلهاء القوميات بالصراع
وتابع: "يريد آبي أحمد أن يضمن انشغال القوميات بالصراع فيما بينها، مع تسيد قومية "الأمهرة" للمشهد بعد ان يتم إضعاف جميع القوميات الرئيسية الأخرى، وعلى رأسها قوميتي "تيجراي" و"الأورمو"، لكن هذا الرهان تحطم على أراضي إقليم تيجراي، بعد أن ظنت القيادة الإثيوبية أنها تستطيع تحقيق نصر ميداني حاسم"، مشيرا إلى أن إثيوبيا وجدت نفسها في إطار ذلك في حرب استنزاف لمدة ثمانية أشهر، شنها عناصر جبهة تحرير شعب تيجراي، ما أفضي في النهاية إلى انسحاب مهين للجيش الإثيوبي من الإقليم، بعد خسارته آلاف من جنوده ما بين قتيل وجريح وأسير.
فشل أبى أحمد في الأقاليم الإثيوبية
ونوه منصور بأن الفشل في تيجراي، يترافق مع انتشار أعمال العنف والمذابح في معظم الأقاليم الإثيوبية، مثل اوروميا وعفار وبني شنقول، قائلا: "وهي مجازر يضاف إليها ما حدث في إقليم تيجراي، وكذلك على الحدود المشتركة مع السودان من عمليات قتل وإعتقال لسكان إقليم تيجراي واللاجئين، وجميعها مشاهد وضعت النظام الفيدرالي الإثيوبي برمته على سكة التفكك والإنهيار".
كما أوضح الباحث السياسي، أن نتائج الهزيمة في تيجراي، ترافقت مع انعقاد الانتخابات التشريعية في البلاد، مردفا: "وقد أصر آبي احمد على عقد هذه الانتخابات رغم أنها لم تشمل إقليم تيجراي، وكذلك لم تشمل أقليمين اخرين سيتم عقدها فيهما لاحقاً، وهذا بهدف ان يستغل الظرف الحالي على المستوى الميداني، ليحقق حزب "الرخاء" الحاكم نصراً انتخابياً".
ولفت إلى أن نسبة التصويت المتدنية في معظم الأقاليم الإثيوبية، وإحجام نسبة كبيرة من الأحزاب الأثيوبية عن المشاركة في هذه الانتخابات، وكذلك رفض المنظمات الدولية الإشراف عليها مثل الاتحاد الأوروبي، شكلت ضربة أخرى لآبى أحمد.
أوضاع اقتصادية صعبة
فيما أفاد الباحث السياسي في المركز المصري، بأن جميع ما سبق يتزامن مع ظروف اقتصادية صعبة تعيشها حكومة أبى أحمد، تتفاقم فيها معدلات التضخم، وكذلك تعاني القوات الأمنية والعسكرية التابعة له من الإستنزاف المستمر على مدار الأشهر الماضية في جبهات عدة على الأراضي الإثيوبية، على حسب قول منصور.
واعتبر منصور تلك الأوضاع بأنها مثلت حافزاً آخر لأبي أحمد كي يستمر في مواقفه الحالية في ملف سد النهضة، متابعا: "لعله يستطيع فرض امر واقع على مصر والسودان، وبالتالي يحظى بنصر قد يغطي على كل ازماته الداخلية، وعلى رأسها الهزيمة المذلة في إقليم تيجراي".
المسار السياسي للدبلوماسية المصرية
وفي سياق متصل، أشار الباحث إلى أن إصرار الدبلوماسية المصرية والسودانية الدائم على المضي في المسار السياسي لهذه الأزمة حتى النهاية، أفضل ما يمكن القيام به، قائلا: "عبر هذه الجهود، بات المجتمع الدولي على علم تام بكافة تفاصيل المسار التفاوضي بين مصر والسودان وإثيوبيا، وكذا على علم بحجم التعنت الإثيوبي في هذا الصدد، وقد بدأت المواقف الدولية في التغير بشكل تدريجي بشان آبي احمد، الذي لم يعد ينظر أليه على انه حامل "نوبل للسلام"، بل كمثال على سوء الإدارة وعدم رشادة التصرف في ما يتعلق بازمات بلاده الداخلية والخارجية".
وأكمل: “وهذا يتضح من خلال مواقف بعض الدول الكبرى منه مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك بعض المؤسسات والكيانات مثل الأتحاد الأوروبي - الذي رفض مراقبة الأنتخابات التشريعية - والمنظمات الإغاثية الكبرى - التي فضحت قتل القوات الإثيوبية لموظفيها في عاصمة إقليم تيجراي”.
واختتم حديثه قائلا: "حالياً يقوم وزير الخارجية سامح شكري بجهد أخير لاستيضاح مواقف الدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن، وبغض النظر عن إمكانية صدور قرار من المجلس بشأن سد النهضة من عدمها، فإن اتضاح كافة المواقف الدولية من ملف سد النهضة، قد يكون بمثابة قوة ضاغطة على آبي احمد، قد تدفعه إلى إبداء بعض المرونة، خاصة في ظل عدم وجود تأييد دولي واضح لنهجه التصعيدي الحالي".