وابوركيناه
إدعاء المظلومية وافتعال البكائيات عرف وتقليد لن يسلاه أتباعه وإن مللناه فكما تفعل الحرباء، يتلون هؤلاء بإدعاء جديد كل يوم.. وصارت لهم مواسم للتلون وتوقيت معروف! ولكن ولسوء حظهم وحسن حظنا أنهم لا يجددون في تلك الادعاءات والمظلوميات فتأتي دومًا مكررة ومحفوظة (محروقة).. قدراتهم الإبداعية محدودة ويفتقرون للإبداع كما اعترف مرشدهم الروحي.. مورالهم دومًا واحد وعديدهم واحد لأن الغرض والمأرب واحد لم ولن يتغير.
الجديد والمشرق في هذا الأمر هو انكشاف وتكشف ألاعيبهم لعموم الشعب.. أما أنصار الحريات والمساواة (لا العدل) فغالبيتهم مغيبون للأسف! وبوناً شاسعاً بين المساواة والعدل وغيرها من المصطلحات الطنانة التي تجعل تلك الألاعيب تنطلي عليهم!
فيساوون بين ما حدث مع حبيبة طارق طالبة المنصورة وواقعة ارتدائها للفستان وبين بكائيات ونحيب بنت الطبيبة الشهيرة التي اخترقت المجال العام في غفلة من الزمن وذهبت كالفقاعة مع غيرها من الراحلين الذين تسللوا لنا عبر الفضائيات وغزوا المؤسسات واخترقوها بشكل ممنهج ومرتب له سلفاً وتتم مواجهته الآن بحزم وحسم.
لقد أرادت المنتحبة ان تصور لنا أننا نعيش في عصر الاسلام الوليد المستضعف! وكأن ابنة الطبيبة هي (سمية) أول شهيدة في الاسلام وأننا قتلناها ونحن لا ندري بالحراب فصبرًا آل ياسر! لقد بكت الفتاة لانها لم تستطع النزول لاحد حمامات السباحة الخاصة! يا له من أمر عظيم! ويا لهول ما أصابها! انه ظلم بيّنٌ تهتز له عرش السموات! هكذا أرادت الفتاة أن توحي لنا بل وقارنت في نحيبها بين الحريات في كندا والقمع والعنصرية في مصر (بعد ٣٠ يونيو) لتوحي للغرب أن مصر اليوم فيها تمييز وعنصرية ضد المحجبات ولتعود من جديد اسطوانة الانقلاب الكاذبة في مصر والتباكي على ديمقراطية الصناديق وعندما قالوا هم (نعم للدين) على حد تعبير حسنين يعقوب!
رغم أن العكس تمامًا هو الصحيح وان غير المحجبة هي من تعاني وتتعرض لظلم بيّن راكمته عليها سنين الصحوة الاسلامية وأسلمت البلاد وتديين شعبها.. فغالبية نساء بلادي يعانين ويتجرعن مر التحرش والاغتصاب والتنمر - والذي أراه ممنهجاً - لترهيبهن وتركيعهن والانتقام منهن لمساندتهن ثورة الثلاثين من يونيو حتى وصل الامر للقتل ورمي سيدة من الدور السادس وغيرها من جرائم الثأر والشرف والختان وخلافه.. ولكن يتضاءل كل ذلك ويهون امام رغبة ابنة الطبيبة الشهيرة في النزول لحمام السباحة الخاص بالبوركيني!
علماً بان رجل الاعمال الشهير قد خصص لبنت الطبيبة وغيرها عدة شواطىء اختار لها -بذكائه التجاري - اسماء تدغدغ مشاعر تلك الفتاة ومن على شاكلتها، فبنت الطبيبة لديها شاطىء (الحرملك) و(اليشمك) وغيرها من الشواطىء (الهاي لايف) التي لا تستطيع بنات الطبقات الفقيرة ارتيادها!
تلك الشواطىء مخصصة بالكامل للسيدات والمحجبات ويحظر على الرجال ارتيادها.. حتى العاملين في مجال الامن ومن يقدمون الطعام والشراب في تلك الشواطىء جميعهم من السيدات وفي بعض الايام يجلبون لهن (دي جي) وراقصة ترقص للسيدات بملابس الرقص! هذا إلى جانب تخصيص جميع النوادي ليوم مخصص أو حمام سباحة مخصص فقط للسيدات.
وبنفس منطلقات اصحاب الحقوق والمساواة ومنع التمييز يمكن اعتبار تلك الشواطىء الخاصة بالنساء فقط .. شواطىء أو مستعمرات للمرأة لتمييزها عن الرجل في حين تطلب هي مساواتها به في الحياة العامة وفي كل شيء، وإن حدث وطالب الرجال بشاطىء خاص لهم لا تدعسه أقدام سيدة سيتم فورًا اتهام هؤلاء الرجال بتهمة الشذوذ!
فهي أمور تحل فقط للمرأة ومحظورة على الرجال تمامًا كالحق في التخفي والذي يمنح - وبمنتهى الاريحية- للنساء دون الرجال تحت مسمى (النقاب) تذرعاً بالدين في حين اجمع فقهاء الدين أن النقاب ليس فرض عين ولا مكرمة بل اخفاء للهوية ويعتبره غالبية علماء الاجتماع ورجال القانون فعل يتعارض مع مفهوم السلم الاجتماعي.
عدم إدراك الكثيرين ممن يتشدقون بالحريات ويطالبون بمنع التمييز لمصطلح الdress code هو ما يضعنا في تلك المعضلات المتكررة اللزجة التي سأمناها ولم تسأمنا فكل مؤسسة عامة تتبع جهة ما لها الحق في وضع معايير لها تبيح من خلالها منع او السماح لفرد ما بارتيادها كدار الاوبرا التي تمنع دخول المسرح الكبير لمن لا برتدي رباط للعنق وأي منشأة خاصة يملكها فرد يكون له أيضاً مطلق الحرية أن يضع معاييره الداخلية للمكان ويحدد dress code خاص بالمكان الذي يملكه ولا تنسى من انتحبت وساقت لنا مظلومية أراها مثيرة للغثيان ان أبناء الطبقة المتوسطة وما فوقها قد حرموا - دون قانون - من ارتياد الشواطىء العامة في عموم الجمهورية.
فأجمل الشواطىء في بلادنا في مدينة مرسى مطروح وشاطىء سيدي بشر في الإسكندرية وغيرها من الشواطىء العامة الجميلة لا نستطيع ارتيادها بلباس البحر المتعارف عليه قبل اختراع مصطلح (المايوه الشرعي) رغم ان الشرع ليس فيه مايوه!! بل وليس في الشرع يونيفورم وإن حلمت فتاة المنصورة أو القاهرة - مجرد حلم - أو سولت لها نفسها مجرد التفكير بارتياد شاطىء عام بلباس البحر سيكون مصيرها الحتمي هتك العرض ونعتها بأقذر الألفاظ واعتبارها لحم رخيص يجوز أكله وتقطيعه لأنها حلوى مكشوفة تستحق إقامة حد المجتمع القاسي عليها واعتبارها من الفاسقين الفجرة بل والمفسدين في الأرض!
لم تسلم حبيبة طارق من التنمر ولم تسلم طفلة البامبرز من الاغتصاب كي تسلم السيدة أو الفتاة التي ترتدي لباس البحر من ما قد يحدث لها ويتجاوز حتماً حدود تصوراتنا وخيالنا إن ذهبت لشاطىء عام! وبالتالي تحرم الفتيات من ارتداء الفستان ولباس البحر وارتياد الشواطىء العامة وبعد التضييق عليهن يكون ملاذهن الوحيد هو الشاطىء الخاص وحمامات السباحة الخاصة ذات الكلفة العالية لتجدن المنتحبة هنالك تنازعهن فيها وتسوق المظلوميات في حين لن تستطيع من ترتدي لباس البحر ان تصرخ وتقول من حقي ارتداء ما أريد دون أن أنعت بأقذر الألفاظ ودون أن يستباح لحمي الذي يرونه رخيصًا ويرونني رخيصة!
فمن صاحب المظلومية الحقيقية هنا يا سادة ويا سيدات؟
مرتدية البوركيني التي يباركها المجتمع ويعتبرها صاحبة الصون والعفاف وأنها كالبيض المكنون؟ أم مرتدية لباس البحر التي يراها المجتمع رخيصة ولحمها رخيص؟
وبما أن صاحبة البوركيني كالبيض المكنون لماذا لا تذهب لشاطىء الحرملك أو اليشمك أو للشاطىء العام طالما تحب السباحة؟ لماذا حرضت على الكومباوند الخاص؟ بل وشجعت الغير على مقاطعته والاضرار به؟ أليس من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؟ فلماذا تريد الفتاة وأمها إيذاء الغير؟ وإتهامهم بالعنصرية؟ أليس من شيم المسلم الخلوق أن يقل خيراً أو ليصمت؟ هل صمتت الفتاة وأمها؟ أم انتحبت وباركت أمها نحيبها؟
أم أن القضية برمتها مفتعلة وأختير لها التوقيت المناسب؟
ففي شهر يونيو من كل عام ومع اقتراب يوم الثلاثين من يونيو يصاب أنصار الإخوان والإسلام السياسي بحالة من السعار والهستيريا، بعد أن قضي أمرهم وفض اعتصامهم غير الشرعي المسلح في أحد شهور الصيف.
ولعجزهم عن الظهور في المشهد الحالي أو السطو عليه من جديد نراهن تارةً يتنمرون على طالبة المنصورة ثم يزجون بفتاة البوركيني لتظهر هي وأمها من جديد بعد أن طواها النسيان واشتاقت للأضواء والظهور من جديد وأن تكون هي الترند وحديث المدينة والسوشيال ميديا لسحب الترند من فتاة المنصورة على مواقع التواصل الاجتماعي فتظهر علينا المنتحبة لتقول لنا (واه بوركيناه ) فنرد عليها بعبارة حمد وشكر تقول (نحمد الله على نعمة الوطن والدولة المصرية بشعبها وجيشها) و(نحمد لله على نعمة الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو والرابع عشر من أغسطس).