واجب مصر
أنا من المؤمنين بأن العلاقات المصرية السعودية علاقات تاريخية، لقد كنا هناك وكانوا هنا طوال قرون عديدة، وفى التاريخ القريب كان المحور الذى يضم مصر والسعودية هو المحور العربى الأقوى. وقد انضمت سوريا لهذا المحور وقت قيادة الرئيس الأب حافظ الأسد، ثم خرجت منه لأسباب متعددة، وكان ذلك نذير شؤم كبير.. والآن تعود ملامح محور مصرى يضم مصر والسعودية وتقترب منه العراق البلد العربى الكبير والمهم على حدود العالم العربى الشرقية.
هذه العلاقات التاريخية.. واللقاء المهم بين الرئيس السيسى وسمو الأمير محمد بن سلمان ولى العهد.. شكلا مرجعية مهمة للقاء رؤساء التحرير المصريين ووزير الإعلام والتجارة السعودى ماجد القصيبى، اللقاء الذى استضافه المجلس الأعلى للإعلام وأداره الأستاذ كرم جبر بدا وكأنه نقطة بداية جديدة.. لقد اتسمت كلمة الوزير ماجد القصيبى بالرزانة والعاطفية، وبدا الرجل من الجيل الذى يعرف قيمة مصر، حيث قال إن والده ووالد زوجته تعلما فى جامعة القاهرة، وأنه هو نفسه تعلم على يد مدرسين مصريين، وأنه ما زال على تواصل مع بعضهم حتى الآن، لقد بدت هذه لفتة عاطفية ذات معان كثيرة أثرت فى الحاضرين.. فى اللقاء طرح الزملاء أفكارًا مهمة، ويمكن البناء عليها، مثل التعاون وتبادل الأقلام الصحفية والزيارات والخبرات.. لكننى كنت مشغولًا بفكرة أخرى سبق لى أن كتبت فيها أكثر من مقال.. إن مصدر هذه الفكرة هو الثورة الفكرية الشجاعة التى يقودها ولى العهد السعودى لمحاربة الأفكار الرجعية، وإصلاح الخطاب الدينى، لقد فكرت أن على مصر واجبًا تجاه الأشقاء فى المملكة العربية السعودية، وهو تصدير التراث المصرى الهائل من التنوير لإخوتنا هناك.. إن أول عرض مسرحى لدينا قدمه يعقوب صنوع عام ١٨٦٣، ما يعنى أن عمر المسرح لدينا يزيد على مائة وستين عامًا.. بينما أصدر عميد الأدب العربى طه حسين كتابه المهم «فى الشعر الجاهلى» عام ١٩٢٦.. ولم يكن طه حسين وحده.. كانت هناك كتابات تنويرية مهمة للدكتور محمد حسين هيكل ولآخرين.. لدينا مشاريع زكى نجيب محمود، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، والأهم أن لدينا فى الأزهر الشريف- عمره أكثر من ألف عام- اجتهادات لعلماء دين مستنيرين، مثل الإمام محمد عبده، والمجدد المجهول عبدالمتعال الصعيدى، والشيخ محمود أبورية، والشيخ محمد سيد طنطاوى، وآخرين لا يقلون أهمية، إن هذه الفتاوى المستنيرة كان يتم السكوت عنها، وتشويهها لسبب أو لآخر.. وقد زالت هذه الأسباب، ولا بد من الاستفادة منها، الفكرة هنا أن اجتهادات المفكرين والعلماء المصريين هى بنت الثقافة العربية والإسلامية التى نشترك فيها مع الشعب السعودى الشقيق، وبالتالى فإن إعادة طبع وإحياء هذا التراث وإتاحته للأشقاء فى السعودية، واجب تاريخى ومهمة يجب التصدى لها.. كان مما قلته لمعالى الوزير أيضًا إن الصحافة المصرية لها تراث تنويرى فى التصدى للأفكار الرجعية، وخوض المعارك الفكرية، وإن التعاون بين صحافة البلدين فى هذا الإطار أكثر من واجب.. والحقيقة أن الرجل رحب بما طرحه الجميع.. وهو ما يبشر بعهد من التعاون القائم على الود والمعرفة والاستفادة بالميزات النوعية لكل طرف من أطراف هذه العلاقة التاريخية.. إننى من المؤمنين بأن ثورة ٣٠ يونيو غيرت الكثير فى مصر وفى المنطقة، وبأن تأثيرها هذا سيستمر وقتًا أطول فى عملية جدلية تستغرق سنوات وسنوات، ما يتطلب منا الوعى به، والبناء عليه.