محمد حسين يعقوب.. سقوط صنم السلفية الأخير
"هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا"
اليوم قد تبين الرشد من الغي،سقط الشيخ الجليل من عليائه، لنكتشف أنه بشر مثلنا، لا يوحى إليه، ولا يأتيه العلم باطنياً، لم يمتلك الحقيقة المطلقة، ولم يكن يوماً من أصحاب الكرامات، بشر مثلنا ، يخاف ويكذب ويتلاعب بالكلمات.. سقوطه كان مدوياً، يليق بصعوده الذي استمر لعقود، أفسد خلالها هو وأمثاله ، مجتمع بأكمله، وأدخلوه غياهب الظلمات ، شوهوا علاقة المصريين بالله ، والتي كان عمادها الحب والعشم والرجاء، إلى الخوف والذنب والعذاب.
شهادة محمد حسين يعقوب في قضية "داعش إمبابة "، أسقطت ورقة التوت الأخيرة عن دعاة السلفية أمثاله هو ومحمد حسان والحويني، وغيرهم الكثير، كشف عورة تيار كامل تسبب في تغير الوعي الجمعي المصري، و زرع داخله أفكار التطرف، التي كانت سبباً مباشراً في خروج مارد الإرهاب علينا من قمم الجهل ، والتخلف، والرجعية السلفية التي ورطنا فيها يعقوب و أشباهه.والتي ينكرها اليوم أمام القاضي، فينكر علمه بالقاعدة وداعش ، متناسياً تماماً أنه وفكره ودعوته كانت بداية الخيط ونهايته.
يعقوب الذي لا علم له، الحاصل على دبلوم المعلمين،وغير مؤهل حرفياً للفتوى أو النظر في أمور الدين، كان يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في علاقة الإنسان بربه، بداية بالحجاب الذي حوله إلى وسواس قهري سيطر على أفكار أجيال من النساء،وصولاً إلى العلاقة بين المرء و زوجه وكأنه شريك في الحياة الخاصة ،مروراً بالمأكل والمشرب... ينكر اليوم أنه يملك حق الفتوى، في مشهد عبثي لا يليق بحجم الجرائم الاجتماعية التي اقترفتها يداه.
يعقوب صاحب غزوة الصناديق في استفتاء مارس 2011، حينما حكم على كل من خالفه أن يترك مصر إلى غير رجعة، والذي تحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية،في كل صغيرة وكبيرة، اليوم يتبرأ من كل فعل سياسي، ويدعي أنه مجرد عابد من عباد الله،وهو وتياره كانوا موغلين في السياسة واستغلال الدين إلى النخاع.
مشكله محمد حسين يعقوب ، أنه أكثرهم إثارة للجدل، بوصفه أكثرهم شعوبية، وبالتالي أكثرهم خطورة وتاثيراً، فهو الموكل إليه "خطاب العامة" على حد تعبيره، وبالتالي أتى انهياره وخنوعه مروعاً لأتباعه ومريديه، حتى وإن برر بعضهم ما فعله تحت بند "التقية" أو بالمبدأ الشرعي "الضرورات تبيح المحظورات "، وأن الرجل كان مضطراً لإنكار تاريخه أمام الحدث الجلل الذي تعرض له، ولكن في النهاية، فقد احترامه وسقط عرشه أمام الجميع.
فتيار الدعوة السلفية، على اختلافه وخلافه، اعتمد لعقود طويلة على شعبيته أمام هيبة الدولة، بل وراهنوا على خضوع الدولة لهم في اللحظات التاريخية الحاسمة، خاصة في عهد محمد مرسي ومن سبقه، الذي اضطر أن يدفع فاتورة تضامنهم معه لإيصاله إلى حكم مصر.. ذلك الرهان ليس له محل من الإعراب الأن، أمام دولة تستعيد وجودها من جديد وهيبتها وشرعيتها.فذلك التيار الفاسد يستمد وجوده عندما تنحرف الدولة عن مسارها الحقيقي، ويختفي وتسقط أصنامه تباعاً عندما تعود.
منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان، وأنا أحذر في كل ما أكتب وأقول ، من كل أشكال سطوة التيار السلفي على طبيعة الحياة في مصر، وخطرهم الحقيقي على الأجيال السابقة والقادمة، أننا أمام تشوه يتم على مهل، لإفساد الحياة في مصر، بتمويل من دول عربية نعلمها جميعاً،والتي حولت هؤلاء من مجرد دعاة لا علم لهم ، إلى أباطرة مال وسلطان وسلطة شعبية مخيفة،ولكن مع التغير الذي حدث داخل تلك الدول،وتجفيف منابع التمويل، وسيطرة الدولة على مفاصلها من جديد، فقدوا الرعاة الأصليين، وعادوا إلى قواعدهم مجرد بشر لا حول لهم ولا قوة، ينكرون جرائمهم على مسمع من مجتمع بأكمله وقع فريسة لهم في أزمنة الفتنة.
نقطة ومن أول السطر، اعترافات يعقوب هي إسدال الستار على تيار فكري فاسد، سيطر على ذهن المجتمع المصري لسنوات طوال،وأخرج أسوأ ما فيه،وأشعره أنه الوسيط بينه وبين الله سبحانه، لنكتشف في النهاية أن يعقوب وأشباهه ،حرموا على الناس عيشتهم، ليعيشوا هم في رغد من العيش،واليوم ينكرون ذنوبهم، وكأنهم الشيطان الذي تخلى عن من اتبعه يوم الحساب.