حسين حمودة: كتابات أحمد خالد توفيق نجحت في صياغة «توليفة» خاصة بها
في محاولة لتشريح ظاهرة أحمد خالد توفيق، وما هو السر الذي وصل به إلى أن يلقب بالعراب وما سر كل تلك المحبة التي حاوطته أواخر أيام حياته، وأيضًا سر جنازته التي امتلأت عن آخرها برقئه، وكيف حول محبوه السوشيال ميديا إلى سرادق عزاء كبير، ولكل هذا التقت الدستور بعدد من النقاد والصحفيين والمقربين منه وسألتهم عن الظاهرة، وفي هذا التقرير يتحدث الدكتور حسين حمودة عن ظاهرة أحمد خالد توفيق.
يقول الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة: "السؤال عن حضور تجربة خالد توفيق، بدرجة أكبر من الكتّاب الذين ساروا في وجهات قريبة من وجهته، هو سؤال عن "ظاهرة" مثّلتها تجربته، وعن خصوصية ميزت هذه التجربة".
أضاف حمودة، لـ"الدستور": "كتابات أحمد خالد توفيق، في الرواية والقصة القصيرة والمقالات وبعض الترجمات، أصبحت تمثل "ظاهرة" تستحق التأمل من حيث مدى الإقبال عليها، خصوصا من الشباب ومن القراء والقارئات البعيدين والبعيدات عن القراءة المنتظمة في الأدب، أو عن "القراءة المحترفة" للأدب إذا صح هذا القول، وأيضًا تستحق التأمل من حيث تنوع هذه الكتابات في المسارات المتعددة التي سارت فيها، ومن حيث "الصورة" التي اكتسبتها شخصية أحمد خالد توفيق نفسه، وهي صورة لها أبعاد كثيرة، جعلت منه تمثيلا للكاتب المحبوب، غير المتعالي، القادر على الوصول بطرائق سهلة إلى كل من يتواصل معهم، بكل أشكال التواصل.
وتابع: "التأمل الذي تستحقه ظاهرة أحمد خالد توفيق يمكن أن يقترن بالبحث في مجالات عدة: من هذه المجالات ما يتمثل في التناول النقدي لأعماله واستكشاف القيم الجمالية فيها (ومن ذلك ما يتصل بالناحية اللغوية التي تهتم بمستويات اللغة المشتركة الحيّة، وما يرتبط بالتقنيات السردية البسيطة التي تشيد جسورا للتواصل مع القراء).. و من هذه المجالات ما يتعلق بدراسة تجربته من زاوية "علم اجتماع الأدب"، حيث يمكن التعرف بدقة على دوائر القراءة الواسعة لهذه الأعمال، وكيفيات الاستجابة لها والتفاعل معها، والاهتمامات التي انطلقت منها هذه الأعمال على تنوعها.. إلخ، وربما من هذه المجالات أيضا ما يمكن أن يتصل بدراسة "الذائقة" الجمالية في حراكها من فترة لأخرى، ومن مجتمع لآخر، ومن سياق لآخر، فضلا عن دراسات القراء الذين شكلوا "جمهورا" واسعا لتجربة خالد توفيق، من حيث اهتماماتهم وأعمارهم.. إلخ.
وواصل:" كتابات أحمد خالد توفيق نجحت، فيما أتصور، في صياغة "توليفة" خاصة بها، زاوجت بين وجهات عدة: الفانتازيا، والرعب، والخيال العلمي، مع مسحة رومانتيكية أحيانا.. وكلها تمثل "منابع سردية" غنية، كانت ولا تزال بعيدة عن النضوب.. وإذا كان هناك كتاب آخرون كثيرون قد اختار كل واحد منهم وجهة واحدة من هذه الوجهات، واهتم بالتركيز عليها، وحقق بعضهم قدرا من النجاحات الجماهيرية، فإن أحمد خالد توفيق قد جاوزهم خلال توليفته هذه، بما جعل دائرة تلقيه أكثر اتساعا. . هذا من جانب، ومن جانب آخر ظلت كتاباته، على تنوعها، تحافظ على سمات أساسية مشتركة، وتقريبا ثابتة، من هذه السمات الاهتمام باللغة التوصيلية البسيطة التي لا تتعالى على القراء (وقد أفاد أحمد خالد توفيق، في بلورة هذه اللغة، من تجربة كتابته للمقالات الصحفية الموجهة للشباب)، ومن هذه السمات الحفاظ على قيمة "التشويق" في الروايات والقصص، ومن هذه السمات العناية بقضايا واهتمامات تخص الشباب أو من يقاربون سن الشباب، ومن هذه السمات الحرص على بثّ بعض التأملات البسيطة غير المعقدة داخل النصوص، و من هذه السمات الانتباه لأهمية مشاركة حضور أو دور القارئ، أو القارئة، في إنتاج معنى النص المكتوب، أو النص الذي لا يمضي في اتجاه واحد من الكاتب للقارئ، بل يراوح في حركته بين الاتجاهين.. وهذه السمات كلها، وغيرها، جعلت كتابات أحمد خالد توفيق تشهد الرواج الذي شهدته، أكثر من الكتاب الآخرين الذين ساروا في بعض الوجهات التي سار هو فيها.
وواصل: "يضاف إلى هذا، إذا مضينا في محاولة تفسير "نجاح" كتابات أحمد خالد توفيق وتكوينها للظاهرة الخاصة بها وبه، أن انتظامه في الكتابة لم ينقطع، من بداية كتاباته في سلسلة "ما وراء الطبيعة" وحتى رواياته ثم مجموعاته القصصية المتأخرة، وأن هذا الانتظام ارتبط بما يشبه "مسيرة" لها معالم واضحة، حيث كانت هناك "خطوط إنتاج" عدة سارت فيها كتاباته، ومنها ما انتمى إلى "سلاسل" متصلة (سلسلة "ماوراء الطبيعة"، سلسلة "سفاري"، سلسلة "فانتازيا".. إلخ).. بما أدى إلى نوع من التراكم المنظم، إن صح هذا التعبير، وأيضا بما أقام أشكالا من "التعاقد" المبرم بينه وبين قرائه، (بمعنى أنهم عندما يحصلون على أي كتاب يقتنونه في أية سلسلة من سلاسله .. يعرفون مسبقا شيئا ما عما يحصلون عليه).. وقد قاد هذا كله إلى بلورة تجربة واضحة المعالم وممتدة، حافظت على متابعيها في هذه الخطوط التي قطعتها أو سارت فيها، كما شكّلت "مشروعا" ما، أيا كان تفاوت الأحكام حول قيمة هذا المشروع. ولعل هذا المشروع، في كثير من ملامحه، لم يقم على "تخطيط"جاهز بشكل مسبق في ذهن الكاتب، أحمد خالد توفيق، أو في تصوره.. بقدر ما كان استجابة مرنة ومتجددة من ناحيته لمتطلبات القراء، بمعنى أنه كان يمضي في هذه السلسلة أو تلك بناء على مدى نجاح، أو مدى الإقبال على، ما كتبه فيها من قبل.. وهذه "المرونة" في مسيرة كتابات أحد خالد توفيق تمثّل ملمحا آخر من ملامح التواصل بينه وبين دوائر تلقيه التي تزايدت وتنامت خلال رحلته، بشكل مطّرد ومستمر، وصاغت في النهاية تلك "الظاهرة" الخاصة به.