«صور الطفولة في حياتهم»: نصيرة المحمدي: خزان صور لاينفد
عن الطفولة في حياتهم، السنوات الأولى، الجنة والجحيم، ما وراء الصورة من حكايات، تحدث كثير من الأدباء لـ«الدستور».
تقول الشاعرة الجزائرية نصيرة المحمدي "الطفولة خزان لا ينفد من الصور والحكايات والألوان والروائح والظلال والذكريات، لايكف المرء عن استحضار قطعة حميمة وجميلة وبعيدة من العمر، في قربها بعد.وفي بعدها قرب.
وتضيف :"الذاكرة هي كل مايملك الفنان ليبقي على بداهة الأشياء الأولى ونقائها وعذوبتها التي لا تتكرر، علينا أن نوغل في تلك البئر السحيقة لنغترف من ماء طفولتنا ،نرفع رؤوسنا ممتلئين بالهواء والحرية وضوء الروح حين نكتشف العالم بحواسنا المرئية وغير المرئية.
من بعيد تأتي كل ليلة صورة الطفلة التي كنتها وهي مغمورة برائحة أم جميلة ومضيئة كما البدر،قامتها الفارعة وبشرتها البيضاء وعيناها السوداوان وأناقتها المدينية وصوتها العذب وحركاتها الهادئة كبنات الأسر الأرستقراطية وعراقتها في كل مايبدر منها.
وتابعت: "تغمرني بحنانها وتغدق على بكل الملذات والأطايب، كانت تعرف شغفي الكبير بالكتب والمجلات والجرائد والإذاعة لسماع الموسيقى والتقاط اخبار وبرامج لم أكن أفهمها ولكن لغتها وكلماتها تأسرني وتحفز خيالي على الحلم والتأمل.كنت وسيطها لتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين والمتسولين .كنت احمل سلالا مليئة بالخضر والفواكه والمواد الغذائية إلى المحتاجين وأنا طفلة .وأركض صوبها وانا سعيدة مثلها لأنني أنجزت المهمة.
وتتذكر المحمدي: "كان أجمل شيئ أن أعيش الصباح معها حيث أستيقظ باكرا ونشرب قهوتنا سويا بينما اخوتي نائمون.قهوة بحليب يرافقها "الفطير أو المثقب أو الشواط أو المذكر أو الكسرة بالمربى والزبدة" كان الصباح غنيا بالموسيقى و أخبار العالم من الراديو الذي شكل نافذة لنا مع التلفزين ولكن بدرجة أقل.وتكتمل البهجة بصورة أبي الجميل وهيبته التي تملأ البيت والروح.الأب المكافح المجاهد الذي تجرد من امجاد الدنيا وحافظ على انفته وشموخه وكرامة اسمه حتى اللحظة الأخيرة .
وتسكتمل: "لا أزال أذكر دمعته لأول مرة في موت جدي وهو لم يعرف أمه أبدا لأنها تركته في شهوره الأولى.ذلك اليتم الذي قرأته صغيرة في دمعته مازال يحرقني إلى الآن. مازالت صورته أيضا وهو يحمل هدية تفوقي في المدرسة والتي كانت عبارة عن مجموعة كتب أسعدت روحي وعقلي.كان فخورا بي في طفولتي.
وتختم المحمدي "كان ينتشي حين نتحاور في السياسة والشأن العام حين كبرت.أستحضر صورا أخرى تتعلق برفقتي وتسلقي للجدران والاماكن العالية والقفز على الحفر وعراكي مع الذكور لأنني فقط كنت أتفوق عليهم في الدراسة. هذه الطفلة المحاربة كانت أيضا تتامل الغروب وتقرأ القصص مع رفيقتها في الهواء الطلق والمساحات الخضراء وتصادق القطط والأشجار لأنها شامخة دائما ومواسمها جمال يبهر الوجدان.مازالت آثار جروح في يدي من الطفولة ومازالت صورها محرضا على الكتابة والحلم دائما.
نصيرة محمدي، شاعرة جزائرية، مواليد البرين بمدينة الجلفة، حاصلة على شهادة الماجستير في الأدب العربي من جامعة الجزائر وتعمل أستاذة للأدب العربي بمعهد الإعلام والإتصال،من أشهر مؤلفاتها "غجرية ، كأس سوداء، روح النهرين ، بجوارهم ، سيرة كتابة ".