دائرة العنف .. ما أسباب عودة التوتر إلى القدس الشرقية والأقصى؟
في الوقت الذي يزداد فيه التوتر السياسي بسبب تشكيل حكومة التغيير في إسرائيل، تظهر توترات في ساحة أخرى، مع تصاعد تحذيرات الأجهزة الأمنية في تل أبيب.
يستمر الهدوء في الجنوب منذ انتهت الحملة العسكرية على غزة، والتي يطلق عليها في إسرائيل "حارس الأسوار"، مع نجاح عملية وقف إطلاق النار، ولكن هناك برميل البارود يمكن أن يتفجر بسهولة كبيرة القدس الشرقية.
خلال الأيام الأخيرة سببت عدة أحداث متتالية عودة التوتر في القدس الشرقية ومنطقة الحرم الإبراهيمي وسط مخاوف من اندلاع اشتعال جديد والسؤال هو: ما الذي يحدث في القدس؟ هل ستُغلق دائرة التوتر في القدس أم ستتدهور؟
يمكن رصد أسباب التوتر في القدس على النحو التالي:
توتر في محيط المسجد الأقصى
خلال الفترة الأخيرة، ظهرت أحداث أعطت انبطاعاً بأن دائرة العنف التي بدأت في القدس قبل أربعين يوماً لم تنته تماماً، فكان اليوم الأول هو يوم الجمعة الماضي، عندما خرج آلاف سكان شرقي القدس للاحتفال بما اعتبروه انتصارا لحماس في الجولة الأخيرة أمام إسرائيل، الاحتفالات شملت مسيرات صافرات انتصار وإطلاق آلاف المفرقعات في سماء المدينة.
بعد بضع ساعات، بدأ تدفق آلاف المصلين لأداء صلاة الفجر في المسجد الأقصى، وتلاها انتشار فيديو قصير يظهر بعض الشباب الفلسطينيين وهم يدخلون إلى المسجد الأقصى أمام جنود حرس الحدود على أحد أبواب المسجد، مع هدوء نسبي لأفراد الشرطة الإسرائيلية وضبط نفس واضح ورغبة في تجنب الاحتكاك بهم.
ثم تجمع في عشرات آلاف المصلين لصلاة يوم الجمعة في المسجد الأقصى، ومرت الصلاة بهدوء نسبي، تلاها قيام بضع مئات من الشباب بقوا في المكان ورفعوا الأعلام الفلسطينية وأنشدوا أناشيد مؤيدة لحماس، فيما بدأت الشرطة الإسرائيلية بمطاردتهم ومصادرة الأعلام منهم، ثم تطورت المواجهة، من رشق حجارة وعلى الأقل زجاجة حارقة واحدة ألقيت على الشرطة الإسرائيلية، 12 شخصا تم اعتقالهم، وبصورة استثنائية نشرت الشرطة صورا للمعتقلين وهم مكبلون ويقفون ووجوههم نحو الحائط.
وفي عصر اليوم نفسه، تجمع نحو 200 متظاهر، إسرائيلي وفلسطيني، في مظاهرة الاحتجاج الثابتة في حي الشيخ جراح. المظاهرة تفرقت بهدوء. وفي يوم السبت جرت مظاهرة مشابهة، هذه المرة لفلسطينيين فقط. وهذه المظاهرة تم تفريقها بالقوة عن طريق رش المياه العادمة وقنابل الصوت.
السماح لليهود بدخول الحرم
كانت الشرطة الإسرائيلية قد منعت أعضاء من أمناء جبل الهيكل من الدخول إلى الحرم لمدة 19 يوما أمام زيارة اليهود،هذا هو وقف زيارة اليهود الأطول منذ فتح الحرم من جديد أمام زيارة اليهود في العام 2003 بعد إغلاقه لمدة ثلاث سنوات متواصلة في اعقاب اندلاع الانتفاضة الثانية.
قرار إبقاء الحرم مغلقا أمام اليهود ورغم أن الأعياد الإسلامية انتهت هو قرار استثنائي جدا ويدل على تخوف الحكومة والشاباك من التفسيرات الإسلامية لزيارة اليهود في فترة حساسة من ناحية أمنية. ويعكس رغبة واضحة في الميل للهدوء.
ثم مؤخراً تم فتح الحرم من جديد أمام زيارة اليهود، وهو ما أعاد الاستفزازت للفلسطينيين، خاصة مع الاحتكاكات بين الشرطة والفلسطينيين في المسجد الأقصى فإن بذور التوتر لاتزال موجودة.
إخلاء حي الشيخ جراح وبطن الهوى في سلون
موضوع حساس يقف خلف التوتر هو إخلاء العائلات الفلسطينية من الشيخ جراح، وظهور أزمة مماثلة أيضاً في لسبع عائلات من حي بطن الهوى في سلوان، والتي كما يبدو أنها لاتزال بعيدة عن الحل.
في الأسبوع الماضي كان هناك حاجز ثابت على مدخل الشارع الرئيسي في الشيخ جراح، ويُسمح فقط لليهود المتدينون الذين يذهبون للصلاة في قبر شمعون الصديق بالمرور، بينما الفلسطينيون الذين لا يسكنون في الحي أو يهود علمانيون يتم رفض دخولهم. هذا الحاجز تم تعزيزه وأضيفت إليه مكعبات من الأسمنت في أعقاب حادثة الدهس عشية عيد نزول التوراة، الحاجز يعتبر أيضا تذكير بالانعطافة المقلقة جدا بالنسبة للقدس. وحاولة إسرائيلية لإثبات السيادة في الحرم الابراهيمي والشيخ جراح من أجل عدم إعطاء حماس أي صورة انتصار. ويخلق المزيد من التوتر أيضاً.
زيادة الحرائق في غلاف غزة
رغم أنه لم يتم إطلاق أي صاروخ من القطاع منذ إعلان وقف إطلاق النار، إلا أن الحرائق في حقول غلاف غزة تزداد قرب الحدود، وحتى هذه اللحظة تتعامل السلطات الإسرائيلية بأن الأمر يتعلق بحرائق بسبب ارتفاع درجة الحرارة، وليس حرائق متعمدة بسبب البالونات الحارقة.
إذا تزايدت الحرائق سيكون من الصعب إقناع الجمهور الإسرائيلي في بلدات غلاف غزة بأن الأمر يتعلق بالحرارة وسيكون من الصعب تجاهلها من قبل الحكومة الإسرائيلية التي وعدت بفرض معادلة أمنية جديدة في القطاع، وبأنها لن تضبط نفسها أكثر إزاء أي تحد من غزة، وحكم أي صاروخ سيتم إطلاقه على سدروت سيكون من الآن فصاعدا مثل حكم أي صاروخ يطلق نحو تل أبيب بحسب ما وعد رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، ووزير الدفاع بيني جانتس.
اليوم الأثنين ألغيت مظاهرة بالإعلام كانت مقررة يوم الخميس المقبل في القدس، والتي بحسب التقارير تم إلغاءها بعد توصية من المستوى الأمني وجهاز الشاباك ، حيث تم التحذير بأن المظاهرة ستعيد الاشتعال في الضفة والقدس.
حتى اللحظة الحالية، فإن التوتر يمكن إحتواءه ولاتوجد رغبة في المزيد من الاشتعال، ولكن ما يخلق انطباع بالخطورة، هو أنه في الجولة العسكرية الماضية كانت البداية مماثلة ثم تدهورت إلى مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحماس استمرت لمدة 11 يوماً ثم تم وقف إطلاق النار بفضل الجهود المصرية.