ماذا قال الرحالة الفرنسي تيوفيل جوتييه عن فيضان النيل؟

يعد الرحالة الشاعر الفرنسي تيوفيل جوتييه، أحد أعمدة التيار البرناسي في الشعر الفرنسي، وأحد أعمدة الرومانتيكية الفرنسية والداعين إلى تجاوزها في آن معا، وكان شاعرا وروائيا وقاصا وكاتبا مسرحيا وناقدا، ومن أهم مجموعاته الشعرية ملهاة الموت، ومزججات وأحجار منقوشة، أنعش الأدب السردي ومده بأبعاد غرائبية خيالية جديدة من خلال قصص الفانتازيا، كما لمع بقصص رحلته إلى مصر والتي ترجمها من الفرنسية محمد بنعبود وصدرت عن مشروع كلمة للترجمة بدولة الإمارات العربية المتحدة.

وفي الفترة التي قضاها "جوتييه" في مصر كان يحرص علي مراسلة "إستيل" حيث كتب إليها خطاب من فندق شبرد بساحة الأزبكية بتاريخ 22 أكتوبر 1869 عقب حادث كسر ساقه وخلع كتفه، قال فيه: عزيزتي إستيل..أكتب إليك لأطمئنك بهذا المخطوط علي أن أباك حي يرزق. يقال إن بريدا استثنائيا سيرسل ولا أريد أن أفوت هذه الفرصة كي أطلعك علي أحوالي، أنت وتوتو وشقيقاتي اللائي من المفترض أن يكن قلقات علي.

قولي لهن ألا يهولن من الأمر، فأنا في صحة جيدة وعلي أحسن حال. صحيح أن من المؤسف أن أكون قد أصبت بهذا الكسر الذي أبتليت به في مستهل رحلة لطالما حلمت بها، وكانت واعدة بأمور جميلة، لكن بفضل العناية اللطيفة لمارك الذي تخلي عن الرحلة إلي صعيد مصر ليبقي بجانبي في القاهرة، لا أشعر كثيرا بالكارثة التي ألمت بي، كما أنني أستطيع أن أري هنا أمورا كثيرة مثيرة للفضول. الرفاق جيروم وتورنومين وبيرشير وشنوفيير وبيرتولو وإيزامبير وكاتروفاج والآخرون ركبوا البحر هذه الليلة علي متن السفينة البخارية التي تصعد نهر النيل. كان بإمكاني أن أرافقهم، لو أردت، لكنه سيكون علي، إن فعلت، أن أحرم من القيام برحلات علي ظهر الحمار أو الفرس أو الجمل للذهاب لرؤية الآثار التي تبعد في بعض الأحيان عن الوادي بفرسخ أو فرسخين. كان إذا أكثر حكمة أن أتخلي عن ذلك الشفاء الكامل لذراعي. وذلك ما قمت به.

ويتابع تيوفيل جوتييه في خطابه إلي ابنته "إستيل": أنا مرتاح في فندق شبرد القائم في ساحة الأزبكية، وأطلق زيارات طبيب نائب الملك، أي الخديوي، وضع نفسه بلطف في خدمتي فعوض السيد "بروكا" الذي انصرف إلي صعيد مصر. والعلاجات التي يقدمها لي محدودة في الواقع بأمور قليلة.

 زرت أمس بولاق وميناء القاهرة الواقع علي نهر النيل والقصر الذي أعد من أجل الأمبراطورة (يقصد أوجيني خلال حفل افتتاح قناة السويس) التي ستصل اليوم. لقد أعد بذوق مثير للجدل، لكن ببذخ زائد. أما بالنسبة للنيل فإن مياهه المحملة بالطمي حمراء تماما وتجري بقوة كبيرة. لقد لمحت الأهرام من علي القلعة، لكن الفيضانات لا تسمح الآن بالذهاب إليها. لا تقلقوا من غيابي، سأعود في الموعد، معافي تماما من حادثتي،حتي أنه لن يكون بإمكانكم ملاحظة شيئ. أمل أن أستلم منكم رسائل في غضون يومين أو ثلاثة. سأكون سعيدا جدا بأن أري كتاباتكم الغالية. سلمي علي ماسول وعلي أخيه وقبلي من أجلي توتو والعمات.أما بالنسبة إليك أنت فإنني أقبلك أنا نفسي بملء قلبي.