رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر التى فى غزة

 

 

لدىّ اجتهاد خاص بى.. هذا الاجتهاد يقول إن ثورة ٣٠ يونيو لم تكن ثورة ضد الإخوان فقط، ولكنها كانت ثورة ضد أخطاء الدولة المصرية التى أدت إلى سقوطها.. ومن ثم صعود الإخوان.. هذه الثورة ضد ممارسات الدولة القديمة ليست ثورة بمعنى الاقتلاع والهدم.. ولكنها أقرب لحركة تصحيحية.. هذا الاجتهاد فى الفهم يقودنى إلى أن القيادة السياسية درست جيدًا داء الدولة المصرية فى مختلف عهودها، مع تركيز خاص على السنوات الخمس الأخيرة التى سبقت يناير ٢٠١١.. فى هذه الفترة كانت هناك أخطاء ناتجة عن سوء الإدارة أحيانًا، وعن شيخوخة دبت فى أوصال بعض المراكز أحيانًا أخرى، وكانت هناك أيضًا مؤامرات من مراكز متعددة.. هذا الخليط من تراجع الكفاءة مع الضغوط الخارجية كانا بمثابة معاول متعددة لهدم الدولة المصرية، التى استمرت مستقرة منذ يوليو ٥٢.. أحد أهم هذه المعاول كان جماعة الإخوان المسلمين، وكان مخلب القط للجماعة هو الوضع فى غزة.. منذ ٢٠٠٦ سيطرت حماس على الوضع فى غزة.. دخلت فى سلسلة صدامات متتالية مع إسرائيل.. كان ذلك وضعًا سياسيًا وقتاليًا جديدًا مخالفًا لاتفاقات أوسلو.. نتيجة له فرضت إسرائيل حصارًا على القطاع.. بمعنى أن تدفق البشر والبضائع بين غزة وإسرائيل لم يعد متاحًا كما كان من قبل.. حولت حركة حماس الإخوانية مصر لمتهم رئيسى.. كانت هناك مطالبات داخلية وخارجية بفتح المعابر.. بغض النظر عن أى اعتبارات للأمن القومى المصرى.. تمت شيطنة الدولة المصرية فى أذهان المصريين قبل غيرهم.. اُتهمت بالتخاذل والتواطؤ.. والمهادنة ومعاونة إسرائيل.. كانت خطة شيطانية.. كانت مصر تسمح بكل أنواع المساعدات والتضامن مع الشعب الفلسطينى.. لكن فجأة يتم التركيز على حالة واحدة لمنع قافلة إخوانية من المرور من المعبر.. ليصبح العنوان العريض أن مصر تمنع المساعدات عن الشعب الفلسطينى.. وهكذا.. خطة شيطنة وتشويه وصلت لأقصاها فى ٢٠٠٨.. فجّرت عناصر حماس نقاط السلك الشائك بين رفح المصرية والفلسطينية واقتحم الغزاويون الحدود.. تفهمت مصر لأقصى مدى، وتم السماح لكل من عبر الحدود بشراء ما يلزمه من بضائع، والمغادرة خلال وقت محدد.. كانت لطمة قاسية امتصتها مصر بروح الشقيق الأكبر.. تكررت الصدامات العسكرية وفى كل مرة كان يتم التشهير بالدولة المصرية.. أصبحت غزة مناسبة لحاكم دولة إسلامية للاستعراض السياسى ولعب دور المتحدث باسم القضية.. لعبت دولة عربية دورًا فى تمويل حماس والإنفاق على قادتها واستخدامهم ضد مصر.. فى الداخل كان الإخوان يلعبون الدور نفسه.. كان الوضع فى غزة معول هدم باطل استخدم لهدم الدولة المصرية.. الآن اختلف الوضع.. صورة الرئيس السيسى فى غزة تقول إن عهدًا جديدًا بدأ.. صحيح أن حماس لم تضع الصورة.. لكنّ أحدًا لا يجرؤ على المساس بها.. هى محل ترحيب من الجميع.. هذه رسالة سياسية لا تقول فقط إن عهدًا جديدًا قد بدأ فى غزة.. ولكن تقول أيضًا إن الدولة المصرية استوعبت دروس الماضى جيدًا قبل أن تبدأ هجمتها المرتدة.