قراءة في كتاب "حياتنا بعد الخمسين" للكاتب سلامة موسى
يهدف الكتاب إلى أن يتمتع المسنون بحياتهم فلا يحسون أنهم بعد الخمسين أو الستين قد هرموا وأصبح وجودهم زائدًا على الحياة، فالمسنون في مصر من الجنسين جديرون بأنوا يحيوا ويستمتعوا بحياتهم، وما يحتاج إليه كل منا عندما يبلغ الستين هو أن يتحدى الشيخوخة ولا يستسلم لها، أما جمال المرأة فإنه يبقى مع العناية إلى ما بعد الخمسين والستين. كل ما فيه أنه ينتقل من جمال الجسم إلى جمال الشخصية .
ربما كانت سن المعاش بين الموظفين في مصر وهي سن الستين من الأسباب الاجتماعية التي تجعل جمهور الناس يخشى الشيخوخة ويستسلم لأمراضها مع أن هذه السن في أوروبا هي سن النضج والإبداع، فقد نشر العالم جاليليو في الثالثة والسبعين كتابه عن دوران القمر وأتم الأديب الألماني جوتيه قصته فاوست في الثانية والثمانين أما بنيامين فرانكلين فقد عين سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية في فرنسا وهو في الثامنة والسبعين.
والميزة العظمي للعمل الحر على الوظيفة الحكومية أن التاجر والزارع والصانع عندما يبلغ أحدهم الستين لا يجد القرار الرسمي الذي يجده موظف الحكومة بأنه قد بلغ نهاية المنفعة من العمر لذا تجد الكثير من التجار في السبعين والثمانين نشطين على وجوههم إمارات اليقظة وفي أجسادهم مرونة الشباب على عكس موظفي الحكومة الذين تبدو عليهم علامات الشيخوخة بشكل واضح بمجرد الوصول لسن المعاش. لذا فالتهيؤ للشيخوخة يجب أن يبدأ من الأربعين وذلك بأن يشترك الموظف في أندية أو جمعيات ويهتم باختيار أصدقائه وتكون له مشاركة في النشاط الاجتماعي أو الفني مهما كانت صغيرة هذه الانشطة تمنعه من الوقوع في عادات إدمان الأكل أو التدخين وغيرها، أما التهيؤ الذهني فيكون بأن يحرص على قراءة الجريدة بعناية أو المجلة أو الكتب هذه العادة تحول دون النسيان وتجدد الذهن بالمعلومات.
يعتقد معظم الناس أن الشيخوخة مرض ولذا يتجة العلاج بين المسنين نحو الجسم فقط ولكن مشكلة الشيخوخة مثلثة، أي تشمل ثلاثة أبعاد (النفس والذهن والجسم) ولكن هذه الثلاثة ليست متكافئة لأن صحة النفس هي تسعة أعشار المشكلة بل هي كل المشكلة، فمتى صحت النفس ، صح الذهن والجسم .
يلاحظ أن نشاط الذهن ينشط الجسم ويكسبه نظامًا ويجعل الحياة حلوة ويبعد السأم وثلاثة أرباع السمن والترهل والتضخم هي نتيجة السأم فحين يقبل أحدنا على الطعام ويأكل في نهم ويعاود في وجبات متعددة أو يتسلى باللب والفول السوداني ونحوهما لأنه يحس ـــــ ذهنيًا وعاطفيًا ـــــ أنه يعيش في فراغ وأن اللذة الباقية له في مضغ الطعام والسمن الفاشي بين النساء يعود إلى نفس السبب أيضًا.
المعروف عن المسنين أنهم جامدون يكرهون التغيير والتطور وينفرون حتى من الأزياء الجديدة في الشبان والفتيات وهذا الجمود يفقدهم الاتصال بالجيل الجديد ويجعل الشبان يتجنبوهم فيحس المسن بهذا التجنب عزلة مؤلمة وهذا الجمود يرجع إلى قلق وخوف المسن من تغيير القواعد التي اطمان وارتاح إليها، فهو هنا كالطفل الذي يتجنب الغرباء أو الخروج وحده إلى الشارع. وكلنا عرضه للجمود إذا أهملنا تطور شخصيتنا و تعهدنا بالنمو والرقي.
العادة أن المسن عقب الستين يشعر أنه ينسى بعض الأسماء ولكن بمجهود صغير ولذلك لا ينتبه لهذا الطارئ ومع توالي السنوات لا ينسى الأسماء فقط بل ينسىى أشياء كثيره كهذا المنديل الذي يفتقده في جيبه فلا يجده وينسى أين وضعه، والناس متفاوتون في النسيان فنجد رجلًا في السبعين يؤكد أنه لا ينسى وآخر يشكو من كثرة النسيان وربما كان السبب الأساسي في ذلك أن الأول كان يعيش في نشاط وحركة فبقيت شرايينه طرية لم تتصلب أما الثاني فقد اعتاد الركود مدة طويلة فتراكمت فيه الأحماض وآذت شرايينه وأثرت في دماغه.
يلاحظ أن المسن الذي دأب على القراءة والدراسة تبقى ذاكرته حية حتى مع ضعف الجسم الذى أدى إليه إهمال الرياضة ولو بلغ التسعين، صحيح أنه ينسى أين وضع المنديل والفرشاة أو يجد صعوبة في تذكر أسماء المعارف لكن إذا تحدث انثالث المعاني لأن عدته من الكلمات وفيرة.
في السطور التالية يقدم الأستاذ سلامة موسى مؤلف "كتاب حياتنا بعد الخمسين" بعض النصائح التي تجعل المسنين يعيشون حياة أفضل مع مراعاة أن التهيؤ للشيخوخة يبدأ من الأربعين:
- التزام خطة غذائية تحول دون السمنة، وخير الأطعمة للمسنين الجبن قليل الدسم واللبن والبيض ولحوم الأسماك والدجاج والخضروات المطبوخة وتناول الفاكهة خاصة الموز وتجنب اللحوم الحمراء وتقليل النشويات والسكريات والدهون في الغذاء قدر المستطاع.
- الالتزام ببرنامج ذهني يشغل الوقت ويجعل للمستقبل قيمة،كان القاضي هولمز رئيسًا للمحكمة العليا في واشنطن ولما تجاوز سنه التسعين أذاع حديثًا افتتحه بكلمة الشاعر اللاتيني القديم "إن الموت يجذب أذني ويقول: عش فإني قادم" ولما زاره مستر "روزفلت" عام 1932 عقب انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية وجده يقرأ كتاب الجمهورية لأفلاطون فسأله ماذا تبغي من قراءة هذا الكتاب؟ فأجاب القاضي هولمز : ابغي ترقية ذهني يا مستر روزفلت، ومن الطبيعي ان هذا التوجه هو الذي ساعد هذا القاضي على الاحتفاظ بصحته واتزانه في مثل هذا السن .
- على الستيني أو السبعيني ألا يهمل زيه فيرتدي الملابس الأنيقة التي تكسبه ثقة وشجاعة.
- الالتزام بممارسة أي نوع من الرياضة البسيطة المعتدلة يقي المسن من الترهل والكثير من الأمراض ومن الرياضات التي يمكن لجميع المسنين ممارستها هي رياضة المشي السريع والتدليك الذاتي وفيه يدلك المسن عضلات وجهه وعنقه وصدره وذراعيه وبطنه حتى يجري الدم فيها ويستطيع أن يؤدي هذه الرياضة حتى وهو بالسرير.
- اتخاذ هواية جديدة تشغل الفراغ : لكل إنسان ظروفه فقد يجد أحد المسنين هوايته في تربية الحمام في حين يجد غيره في زراعة فدان من أشجار الفاكهة وهناك بعض المسنين يستطيع اتخاذ تجارة صغيرة تدر عليه ربحًا كما تنشط ذهنه، وهناك من يجد أن فراغه الجديد يسمع له بزراعة أرضه بنفسه بعد أن كان يؤجرها أو يؤسس ورشة صغيرة لترميم السيارات أو نحو ذلك، وخلاصة القول أن على كل مسن أن يتعلق بهواية ولا ييأس من التزام واحدة يجد فيه استقراره بل عليه أن يختار هواية جديدة كل عام حتى يستقر ، وفي هذه الدنيا متسع لألوف الاهتمامات الحيوية.
- ممارسة عمل يشغل بعص اليوم وتحمل بعض المسئوليات يجعل المسن يشعر أن لحياته قيمة. نقو ل للمسن لا تتقاعد لأنك تحتاج إلى تحدي العمل ولكن في غير إرهاق أما الركود فهو تذكرة الموت.
- الثقافة هي خير الهوايات للشيخوخة لأن آفاقها كثيرة فقد شرع جوتيه الألماني في تعلم العربية والفارسية في الستين من عمره كما شرع سعد زغلول بتعلم الألمانية في نفس هذه السن.
- الصداقة متعة للصبيان والشباب والشيوخ كما أنها وسيلة للنمو الذهني والارتقاء الاجتماعي وعندما نعرض حياتنا الماضية نجد أن أكثر ذكرياتنا تعود إلى صديق أنار فترة من حياتنا وفي الشيخوخة تكبر قيمة الصداقة لأن الفراغ يكثر وهو يثقل بالوحدة ويخف بالرفقة، وأحيانًا نجد بعض المسنين يواظبون على لقاء بعضهم بعضًا في مواعيد لا تتغير كأنهم يحرصون على أصدقائهم كما يحرصون على مواعيد العمل، وهذا يدل على أنهم يجدون في هذه الصداقة الحب والمسرة. وقد عرفنا كثيرين من الشيوخ المسنين استطاعوا بخصال من النشاط والمرح أن يصادقوا أبناءهم الذين يصغرونهم بثلاثين أو أربعين سنة ولكن الأغلب الأعم من المسنين لا يفعل ذلك.
- يجب أن يكون الاعتدال شعار المسنين: اعتدال في الطعام والشرب والسهر والجهد والحزن والرياضة، ويجب على المسن ألا يزهد في حياته بل عليه أن يمارس جميع ألوان نشاطه أيام شبابه ولكن في اعتدل ودون إسراف.
- ليكن لك مُسِن سند ديني كالجدار يستند إليه في حياته وليكن سلوكه دينيًا .لأن هذا فيه ضمان لسعادته وكرامته، ولنتذكر جميعًا أن الدين هو فيتامين النفس خاصة نفس المُسِن الذي يكسبها الحيوية والنشاط.