كيف قادت حكايات المهمشين «دفاتر الوراق» لجائزة البوكر؟
تتكئ رواية «دفاتر الوراق»، للكاتب جلال برجس، التي حصدت الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، اليوم، على حكايات تُروى من خلال عدد من الدفاتر في إطار زمني يقع بين عامي 1947 و2019 عن أشخاص يفقد بعضهم بيوتهم، ويعاني البعض الآخر أزمة مجهولي النسب، ويقاسي آخرون عدم انتمائهم إلى عائلات كبيرة، وتتقاطع مصائر الشخصيات ببعضها فتبرز قيمة البيت والذي حمل رمز الوطن مقابل أكثر من شكل للخراب.
- البطل قارئ نهم تتلبسه شخصيات الروايات التي يقرأها
الشخصية المحورية ورَّاق مثقف وقارئ نهم للروايات إلى درجة أن تتلبسه شخصية أي رواية تقنعه ويتصرف عبرها، لكن جراء العزلة والوحدة وما عاشه من قسوة في عالم صاخب، تتفاقم حالته النفسية فتكتمل إصابته بفصام الشخصية ليعيش صراعًا بين صوتين في داخله: واحد مُحرض على ارتكاب عدد من الجرائم حيال واقع لم يمنحه حقه في العيش، والثاني يقف بوجهه متكئًا على محمول معرفي عميق.
وتكشف الرواية إضافة إلى هذا المنحى وخلال التناوب بين محتوى الدفاتر من سينتصر على الآخر، وكيف تتشابك الحكايات ببعضها لتؤدي إلى مقولة رئيسية في الرواية مفادها: أن الخوف حتمًا سيؤدي إلى الخراب.
- تشرد وانفصام.. والحب يغير المصير
وتقع أحداث "دفاتر الورّاق" في الأردن وموسكو، وتروي الرواية قصة إبراهيم، بائع الكتب والقارئ النهم، الذي يفقد كشكَه ويجد نفسه أسيرَ حياة التشرّد، وبعد إصابته بالفصام، يستدعي إبراهيم أبطالَ الروايات التي كان يحبها ليتخفّى وراء أقنعتهم وهو ينفِّذُ سلسلةً من عمليات السطو والسرقة والقتل، ويحاول الانتحار قبل أن يلتقي بالمرأة التي تغيّر مصيره.
والدفاتر هي مجموعة من الدفاتر تتوزع بين إبراهيم وبين شخوص الرواية، وهم متقاطعون مع البطل، وتحكي مضمون هذه الحكاية المؤلمة والمتشظيّة، إنها حكاية المهمشين الذين دائماً ما يُنظر إليهم بإهمال أو لا ينظر لهم أصلاً، حيث يعيشون إلى جانب نمو طبقة متنفذّه فاسدة.
- جانب من أجواء الرواية
ومن أجواء الرواية نقرأ: «ها أنتم الأن تقرأون ورقتي هذه، بينما جسدي قد ابتلعه البحر حيث السكينة الأبديّة، أنا منحازةٌ لأسماك الأعماق عند إنكسار الضوء وارتطامه بالرمال الطريّة.
لا أحبّ ديدان الأرض حيث الظلمة والرطوبة تهب وجعاً إضافيّاً للموت، لهذا منحت جسدي للماء سرّ الإنصات الأبديّ، والحضن الّذي لا تغلق ذراعاه، لم أكتب وصيّتي، فليس هناك من وصايا للّذين خذلوا في حياتهم سوى أن يتمنّوا أن يبادر أحدٌ ليدوزن الوتر النشاز، وليس لي وصايا لأقولها، فأنا محض ريشة دوريّ علقت في هواء لم يسكن ولو لحظةٌ واحدة.
حينها كان يمكنني أن أحط على شجرة وأشاهد كيف تنضج حبّة كمَثرى على صدر أمّها، أو أحط على كتف رجل ذاهب للقاء امرأةٍ قطع عهدا على قلبه أن يحبّها كما يحبّ الطائر جناحيه بينما يخفق ماراً فوق شارع يكابد عابروه الزحام.
أنا محض امرأةٍ خُذلَت في حياتها وجاءت إلى تفكر بالاعتزال كما يعتزل عازف شهير في أوج نبوغه لخلل يستشعره قادماً لا محالة، لا وصايا لي سوى هذه الكلمات فأحرقوا هذه الورقة وانثروها هنا لعلّها تصير شاهدةً جوّالةً تشير إِليّ».