باحث بـ«المصري للدراسات»: إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزه
قال بلال منظور، الباحث بوحدة الدراسات الأوروبية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أإن قطاع غزة واجه منذ بدء المواجهات والتصعيد العسكري مع إسرائيل وحتى وقف إطلاق النار بين الطرفين، أوضاعًا إنسانية متأزمة نتيجة لتردي الأحوال المعيشية التي كان يعاني منها القطاع قبل التصعيد بشكل عام، والتي تفاقمت بشكل مأساوي جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدف البنية التحتية والمدنيين في قطاع غزة.
وأضاف منظور، في دراساته البحثية، أن الأعمال العدائية التي ارتكبتها إسرائيل تمثل تعديًا وخرقًا للقانون الدولي الإنساني بفرعيه “قانون جنيف” المعني في اتفاقيته الرابعة بحماية المدنيين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، و”قانون لاهاي” الذي ينظم سير ووسائل وأساليب الحرب، وهو ما يصل إلى ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب في قطاع غزة، ويأتي ذلك في ظل استكمال تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية الأخيرة المعنية بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، وصدور بيان رسمي عن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية حول مراقبتها للأوضاع الإنسانية جراء التصعيد الحالي، ومفاده أن تنامي وتيرة العنف في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة من شأنه احتمال وقوع انتهاكات وارتكاب لجرائم بموجب نظام روما الأساسي.
وأكد أن الوضع الإنساني في قطاع غزة إزاء القصف الإسرائيلي في مقابلة أجراها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مع مسئولة الاتصالات بمكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر “إسرائيل والأراضي المحتلة” بالقدس، أنستاسيا إسيوك، أكدت أن اللجنة الدولية قلقة بشدة بشأن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة نتيجة للتصعيد العسكري الأكثر حدة منذ سنوات، والذي ترك آثاره بصورة دراماتيكية على المدنيين، مخلفًا المزيد من أعداد الضحايا والمصابين بين صفوف المدنيين.
كما أشارت إلى أن الصراع الحالي أثار الذاكرة المأساوية المرتبطة بالصراعات السابقة، وما لذلك من أثر على تردي الصحة العقلية للسكان في القطاع. كما دعت اللجنة الدولية جميع الفاعلين على الأرض لوقف التصعيد واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، بما يمكّن اللجنة من متابعة مهامها بالولوج لتلبية احتياجات السكان وتقديم الدعم اللازم لهم، فضلًا عن دعم وتسهيل العمل الإنساني.
وتابع أنه فيما يتعلق بالموارد والبنية التحتية، أوضحت مسئولة الاتصالات وجود تحديات أمام سكان قطاع غزة للوصول إلى المستشفيات التي عانت خسائر في البنى التحتية لديها وفي الطرق المؤدية إليها، وهو ما انعكس على وجود عراقيل أمام نقل المصابين وإخلائهم، في الوقت الذي يواجه فيه النظام الصحي بأكمله صعوبات وضغوطات لمعالجة المصابين من تفشي جائحة كورونا، فضلًا عن تعرض البنى التحتية الحيوية الأخرى مثل الطرق والمباني للدمار في القطاع، علاوة على إلحاق خسائر وتدمير في البنى التحتية الإنسانية.
وأشار الباحث أنه تأتي الأولوية التي تضطلع بها اللجنة الدولية في دعم القطاع الطبي والبنية التحتية الخاصة به وذلك في إطار إمداد المستشفيات بالاحتياجات اللازمة، والعمل على إيجاد آلية مستقرة لتنسيق تحركات اللجنة لضمان توظيف الخدمات وتمكنها من الوصول للمدنيين، وذلك علاوة على إمكانية تغطية العجز في الوقود ودعم هذا القطاع.
وأضاف أنه من ناحية أخرى، أصدرت العديد من المؤسسات الدولية بيانات وتقارير بشأن الممارسات التي تقوم بها إسرائيل في القطاع والتي تسببت في تدهور الوضع الإنساني، تمثلت في استهداف المدنيين، حيث تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن أعداد الضحايا في قطاع غزة حتى إعلان وقف إطلاق النار وصلت إلى 248 حالة، منهم 66 طفلًا و39 امرأة، فضلًا عن وصول أعداد المصابين إلى حوالي 1950 مصابًا، منهم 444 طفلًا بناء على بيانات منظمة اليونيسيف، كما وصلت حصيلة الضحايا في الضفة الغربية إلى 27 فلسطينيًا وأكثر من 6300 مصاب.
إضافة إلى قصف المباني السكنية، حيث قام الجيش الإسرائيلي بقصف عدد من الأبراج والمباني السكنية والتجارية في قطاع غزة، مثل برج هنادي وبرج الجوهرة والجندي المجهول ومبنى الشروق ومبنى طيبة بقطاع غزة، وذلك بعد منح ساكنيها حوالي ساعة واحدة فقط للإخلاء، فضلًا عن تدمير مبنى يضم مكاتب وكالة أسوشيتيد برس والجزيرة في القطاع، وقد أعلنت وزارة الإسكان أنه حتى قبل اللحظات الأخيرة من اتفاق وقف إطلاق النار تم الإضرار بــ16800 وحدة سكنية في قطاع غزة، منها 1800 وحدة باتت غير صالحة للسكن و1000 وحدة دُمرت بشكل كامل، فضلًا عن تدمير 53 مؤسسة تعليمية وتأثر أكثر من 600 ألف طفل في القطاع.
كل ذلك إلاى جانب قصف البنية التحتية الإنسانية، حيث قامت إسرائيل في 18 مايو بقصف موقع الهلال الأحمر القطري بقطاع غزة، ويأتي ذلك في إطار سلسلة من الهجمات قامت بها إسرائيل لاستهداف البنى التحتية الإنسانية بالقطاع، بما في ذلك 18 مستشفى ومركزًا للرعاية الصحية وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. كما أن تدمير شبكات المياه في القطاع تسبب في عدم وصول المياه إلى أكثر من 800 ألف شخص، وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (OCHA)، بالإضافة إلي عمليات التهجير القسري، بالإشارة إلي تقرير مؤسسة “كير” أن العنف الممارس عبر التهديد والإخراج القسري للأهالي من مساكنهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية قد تزايد على مدار أيام التصعيد، إذ خلفت عمليات التهجير للمدنيين وتدمير المنازل والمباني ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين ما يزيد على 970 فلسطينيًا منهم أكثر من 420 طفلًا تحت خطر النزوح والطرد من المدينة.
بجانب تزايد أعداد النازحين، حيث أشارت الأونروا UNRWA إلى أن أكثر من من 77 ألف فلسطيني اضطروا إلى النزوح والفرار من منازلهم منذ اندلاع القتال قبل أسبوع بين إسرائيل وحركة حماس واحتموا بالمدارس والمساجد نتيجة الخوف من الوقوع تحت القصف الإسرائيلي المستمر على المباني السكنية في القطاع، ولكن انخفض هذا العدد بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار ليصل إلى حوالي 35 ألف نازح.
في السياق، أوضح الباحث بالمركز المصري للدراسات خروقات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، والتي تمثلت في الاعتداءات التي ارتكبتها إسرائيل منذ بداية الأحداث في حي الشيخ جراح وحتى الوقت الحالي جملة من الانتهاكات الصريحة للقانون الدولي الإنساني، بما تسبب في زيادة تفاقم الأوضاع لما كانت عليه؛ إذ لم تراعِ إسرائيل أي معايير قانونية أو إنسانية جراء التصعيد، وهو أمر غير جديد، خاصة وأن المحكمة الجنائية الدولية في مارس الماضي استأنفت التحقيقات المتعلقة بجرائم الحرب التي اندلعت مع قطاع غزة عام 2014، والذي لقي ردود فعل سلبية من قبل إسرائيل؛ إذ وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” تلك الخطوة بأنها تمثل معاداة صريحة للسامية وإهانة للنظم الديمقراطية، كما أكدت إسرائيل أنها ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، وأن الأخيرة ليس لها أي اختصاص على المنطقة المعنية، لكن المحكمة قضت بأن اختصاصها يمتد إلى الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
وفي هذا الإطار، أكد «منظور» أن التحقيقات القضائية والقانونية لجرائم الحرب والانتهاكات ضد المدنيين أثناء الحرب تخضع بدورها لمعايير السياسة الدولية والذي تجلى في تحركات الإدارة الأمريكية، إلا أن هذه السياسة قد تعبر عن تخبطات في السياسة الخارجية الأمريكية بشأن التصعيد في قطاع غزة.
ولفت إلى أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تشير إلى ارتكاب إسرائيل العديدَ من الانتهاكات إزاء القانون الدولي الإنساني في حق المدنيين وقطع الطريق أمام تقديم أي مساعدات لهم، في الوقت الذي اضطلعت فيه مصر بدورها الإنساني سواء من خلال القوافل الطبية أو فتح معبر رفح، وأخيرًا ضخ 500 مليون دولار لجهود إعادة الإعمار بقطاع غزة، في الوقت الذي يتعرض فيه ملف الإنسانية لأزمة سياسات بين القوى والمصالح الدولية.