الكاتب المغربي إدريس الكنبوري يكشف ملامح روايته «عائد إلى أورشليم»
تصدر خلال أيام أحدث إبداعات الباحث المغربي إدريس الكنبوري، رواية جديدة بعنوان "عائد إلى أورشليم".
تقع الراوية في 260 صفحة من الحجم المتوسط، وهي أول رواية مغربية عن اليهود المغاربة في عهد الاستعمار الفرنسي والاحتلال النازي لباريس.
وإدريس الكنبوري كاتب روائي وباحث في الحركات الإسلامية، سبق وصدر له العديد من الأعمال الإبداعية٬ ففي الرواية صدرت له روايات: "الكافرون"2019 ٬ "الرجل الذي يتفقد الغيم"2016 ٬ ورواية "زمن الخوف" 2015.
كما صدر لإدريس الكنبوري العديد من الدراسات من بينها: سلفي فرنسي في المغرب٬ وكانوا شيعا..دراسات في التنظيمات الجهادية المعاصرة٬ شيوعيون في ثوب إسلامية، الإسلاميون بين الدين والسلطة٬ الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية في العالم العربي وغيرها.
وعن روايته الجديدة "عائد إلي أورشليم" قال الكاتب إدريس الكنبوري في تصريحات خاصة لــ"الدستور":
تدور الرواية في إحدى ملاحات اليهود بالمغرب، تحديدا في مدينة سوق أربعاء الغرب شمال غرب المغرب، في حقبة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، إبان الاحتلال الفرنسي والإسباني للمغرب.
بطل الرواية شاب يهودي من عائلة عريقة الهجرة ترجع بجذورها إلى الطرد المسيحي من الأندلس في القرن السادس عشر الميلادي، حيث دخل أجداده المغرب واستوطنوا بمدينة فاس وآسفي، قبل أن يرحلوا إلى سوق أربعاء الغرب التي هي مدينة صغيرة على بعد مائة كيلومترا من العاصمة الرباط، كانت تمثل الحدود الفاصلة بين المنطقة الجنوبية التي كانت تحكمها فرنسا، والمنطقة الشمالية التي كانت تحكمها إسبانيا.
وتابع إدريس الكنبوري: عاشت تلك الأسرة في ظل التسامح الاجتماعي والديني جنبا إلى جنب مع المسلمين، فقد كان المسلمون يتعاونون مع اليهود ويتساكنون معهم، وكانوا يقدمون لهم المساعدة يوم السبت المقدس عندما يتوقف اليهود عن فعل أي عمل نزولا عند تعاليم ديانتهم، حيث يقول السارد في الرواية:"كانت جدتي تذكرنا كل ليلة خميس بالأعمال التي يجب أن نتوقف عن مزاولتها ابتداء من مساء الجمعة وطيلة يوم السبت، إذ كانت تقول لنا إن هناك تسعة وثلاثين عملا محرما لا يجوز القيام بها بتاتا خلال تلك الفترة، غرس النباتات أو الخياطة أو الطهي أو إشعال النار أو إطفاء نيران مشتعلة أو كتابة شيء أو محو شيء مكتوب أو حتى ربط عقدة انحلت في قميصك، عشرات الأشياء التي لا يمكننا القيام بها طيلة ليلة الجمعة ويوم السبت، لكن لحسن حظنا أن المسلمين كانوا هنا لمساعدتنا".
وأضاف:"صبيحة السبت يخرج سكان الملاح عن بكرة أبيهم، الرجال في المقدمة والنساء خلفهم والأطفال يحيطون بهم من كل جانب، ويقومون بجولة قصيرة في الشارع الرئيسي للمدينة التي نسميها القشلة، لأن فيها تقع ثكنة للعسكر الفرنسي. نرفع أصواتنا بالغناء والصلوات الدينية والابتهالات. وكم تعظم فرحتنا عندما نرى بعض المغاربة المسلمين يلوحون لنا بأيديهم من بعيد ويضحكون وهم يتابعون ذلك المشهد الجميل المنظم. نشعر بأنهم لا يكرهوننا، وبأننا أبناء المدينة مثلهم ونحب الأرض التي نحيا فوقها كما يحبونها هم، بل أكثر، فالأرض أمنا جميعا، والله أبونا".
ويظهر التسامح والتعايش بين اليهود والمسلمين من خلال الفقرة التالية التي يتحدث فيها البطل الشاب بضمير المتكلم:"خارج الملاح يوجد عالم مختلف. في طريقي إلى المدرسة أقابل المغاربة المسلمين الذين ينظرون إلينا بكثير من الاحترام. في أحيان كثيرة نسمعهم يحيوننا بكلمتنا العبرية "شالوم"، فنرد عليهم بكلمتهم العربية "السلام عليكم"، فيبتسمون لهذا التبادل في ما بيننا".
وقد وصل التعايش والتعاون بين اليهود والمسلمين إلى حد التعاون في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، حيث كان بعض اليهود يتطوعون لإخفاء المقاومين في بيوتهم، أو نقل السلاح إليهم، نظرا إلى عدم شك الفرنسيين فيهم.
غير أن هذا التعايش بين الطرفين سوف يتأثر بالظروف السياسية العربية، بعد ظهور الحركة الصهيونية وتغلغلها وسط اليهود المغاربة، حيث بدأت توزع المنشورات السرية وتجمع الأموال للصندوق اليهودي العالمي وتشجع على الهجرة إلى فلسطين.
ولفت الراوي:"كانت تلك الأخبار تبدو لي غريبة ومخيفة، ولكن والدي الذي دخل متأخرا ذات ليلة أكد لنا بأن اليهود في الملاح وفي المدينة بكاملها يقولون إنه لا وجود لحركة صهيونية في سوق الأربعاء، وإن الناشطين في تلك الحركة ينشطون في المدن الكبرى لاستقطاب اليهود ودفعهم إلى الرحيل إلى إسرائيل. وقال والدي إن عددا كبيرا من اليهود يرفضون الإنصات إلى هؤلاء الذين لا يعرفونهم لأنهم قادمون من بلدان أوروبا، ولا يريدون الرحيل عن المغرب الذي نشأوا فيه ويعتبرونه وطنهم".
وعندما دخل النازيون العاصمة الفرنسية باريس عام 1940 واحتلوها، ونصبوا حكومة موالية لهم هي "حكومة فيشي" الشهيرة، التي كانت موالية لألمانية النازية، طلبت من السلطان المغربي محمد الخامس تجميع اليهود وترحيلهم إلى فرنسا لكي يتم ترحيلهم إلى معسكرات الاعتقال النازية، فتم تجميع يهود الملاح بانتظار ترحيلهم، غير أن محمد الخامس رفض تسلميهم إلى الحكومة الفرنسية متعللا بأن اليهود المغاربة هم مواطنون مغاربة مثلهم مثل المسلمين ولا يجوز تسليمهم. وتنتهي الرواية عند هذا الحد.