«حكاية نجاح».. كيف تواجه «حياة كريمة» أزمة القمامة فى القرى الأكثر فقرًا؟
منذ اللحظة الأولى لتنفيذ المشروع القومى لتنمية الريف المصرى، ضمن المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، احتل ملف جمع وإعادة تدوير المخلفات بمختلف أنواعها أولوية متقدمة ضمن المشروعات المنفذة، فى ظل شكوى العديد من المواطنين على مستوى الجمهورية من هذه الأزمة التى تهدد صحتهم وصحة أبنائهم وتشوه منظر قراهم وشوارعها الرئيسية والداخلية.
«الدستور» تكشف فى السطور التالية كيف تعاملت المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» مع هذا الملف، وحرص الأجهزة المعنية على العمل به من ناحيتين، الأولى إزالة القمامة المتراكمة فى قرى المبادرة، والثانية الاستفادة منها عبر إعادة تدويرها واستخدامها فى العديد من الصناعات.
عاملو نظافة: نشاطنا ازدهر.. الدولة تمدنا بسبل الحماية.. والريف يشهد طفرة فى منظومة المخلفات
تعد قنا من أكثر محافظات الجمهورية التى اشتكى سكانها من تراكم القمامة وسوء استخدامها فى مختلف مراكزها وقراها، لذا احتل هذا الملف مقدمة الملفات التى يتم تنفيذها فى إطار المبادرة الرئاسية لتنمية الريف المصرى «حياة كريمة».
ويعد مصنع تدوير القمامة فى محافظة قنا إحدى أهم آليات مبادرة «حياة كريمة» للتعامل مع هذا الملف وتوفير طلبات الأهالى بشأنه، خاصة أنه يعمل بطاقة ١٠٠ طن لكل ١٠ ساعات من العمل، وفق ما يكشفه وائل حمدى، أحد العاملين فى المصنع.
وقال العامل، البالغ من العمر ٣٧ عامًا، إن عملية تدوير المخلفات تبدأ بتوجه سيارات القمامة إلى المراكز والقرى فى الصباح الباكر بهدف تجميع المخلفات، ثم تبدأ فى تفريغها داخل مكبات معدة لذلك، بالقرب من المصنع وبعيدًا عن المناطق السكنية.
وأضاف: «تستغرق عملية التجميع نحو ٥ ساعات متواصلة، ثم يتم البدء فى تفريغها داخل مصنع تدوير القمامة، حيث يصطف العمال فى أماكنهم، ويبدأون فى عزل المخلفات الصلبة عن غيرها بطريقة يدوية».
وواصل: «تُنقل المخلفات التى تم فرزها وعزلها إلى معدات الكبس، التى تعمل على كبسها وجمعها فى كتل، ثم تغليفها جيدًا بعد إزالة الشوائب منها، لنصل إلى المرحلة الأخيرة المتمثلة فى النقل إلى مصانع الإنتاج، التى تتخصص فى تصنيع أشياء مختلفة من هذه المخلفات، مثل الأخشاب والبلاستيك».
وشدد على أن مصانع تدوير القمامة وإنتاج منتجات جديدة منها تمثل مصدر دخل قويًا لميزانية الدولة، لذا قرار إعادة تشغيل هذا القطاع كان قرارًا سليمًا من قبل الحكومة، وسط طفرة كبيرة تشهدها منظومة التعامل مع المخلفات فى مصر.
وأوضح: «كنا نعانى من قلة اهتمام بشكل واضح، لكن الدولة تبذل جهودًا كبيرة فى هذا القطاع حاليًا، والهيئة المسئولة عن أحوال العاملين تتابعنا بشكل مستمر، وفى حالة تعرض أى شخص منا للإصابة أثناء تأدية عمله يحول تلقائيًا إلى مستشفيات التأمين الصحى».
وأشار إلى توفير الدولة معدات جديدة لمصانع تدوير القمامة، ما ساعدهم على النهوض بهذا القطاع الحيوى والمهم، والتعامل مع أكبر كم من المخلفات وإنتاج منتجات منها فى وقت قصير للغاية، ما أسهم بشكل كبير فى توفير رغبة العمل لدى الكثير من العمال، والشعور بأمل من وراء جهدهم بعد معاناة ويأس لسنوات.
زميله فى المهنة محمد أشرف، ٣٠ عامًا، بدأ حديثه موجهًا الشكر إلى «كل من آمن بقدر المهمة الملقاة على عاتق العاملين فى منظومة جمع وتدوير المخلفات»، وكذلك لزملائه فى العمل الذين يبذلون أقصى جهد ممكن لإتمام عملية تدوير القمامة بشكل ناجح، دون أى تقصير.
وقال «أشرف» إنه يعمل فى هذا المجال منذ ١٥ عامًا، وتنقل بين العديد من أماكنه فى محافظتى القاهرة والجيزة، ما جعله على دراية بالعديد من المشكلات التى تواجه العاملين فى هذا المجال منذ فترة كبيرة، واختلف وضعها جدًا حاليًا، فى ظل الاهتمام الواسع الذى شعروا به من قِبل الحكومة المصرية، والاستعانة بهم فى العديد من المشروعات القومية.
وتحدث عن طبيعة عمله فى محافظة القاهرة حاليًا، قائلًا: «نتجمع يوميًا فى مناطق العمل، ونستقل السيارة الخاصة بنا، ليبدأ كل منا مهمته الخاصة، بداية من تفقد الشوارع المحددة لنا فى نطاق المحافظة، ثم جمع القمامة والنفايات الملقاة فى الشوارع وأسفل المنازل، لنتجه بعدها إلى المصنع الذى يتم تدوير هذه المخلفات بداخله».
وكشف عن تعرض العاملين فى مهنة تجميع وتدوير المخلفات للإصابة بأمراض عديدة خلال عملهم المتواصل فى الشارع، بسبب تسبب هذه المخلفات فى نقل الميكروبات والفيروسات إليهم، لكن هذا لا يضعف من إيمانهم بالدور الذى يؤدونه، وشعورهم بالفخر الكبير لمشاركتهم فى إظهار القاهرة بشكل حضارى.
وأضاف: «حين ظهر فيروس كورونا المستجد، تعرضت حياة العاملين فى منظومة جمع وتدوير المخلفات للخطر، لكن الحكومة واجهت هذا بتوفير جميع المستلزمات الطبية وأدوات التعقيم اللازمة لنا، لحمايتنا من الإصابة بالعدوى أثناء أداء عملنا».
وعن مبادرة «حياة كريمة»، ودورها فى ازدهار مهنة جمع وتدوير المخلفات، قال «أشرف» إن امتداد مشروعات المبادرة داخل القرى المفتقرة إلى الكثير من الخدمات أسهم فى توفير حياة طبيعية لأهالى هذه القرى، ووفر لهم العديد من الخدمات، من بينها تخليصهم من أكوام القمامة بصفة مستمرة، وهو ما أدى إلى ازدهار عمل العاملين فى جمع وتدوير المخلفات على مستوى الجمهورية.
الأهالى: أصبحنا قادرين على استنشاق هواء نظيف
انتقلنا بعد ذلك للحديث مع أحد المستفيدين من مبادرة «حياة كريمة»، ومساهمتها فى حل العديد من المشكلات التى واجهتهم طوال السنوات الماضية، على رأسها تراكم المخلفات أمام المنازل وفى الشوارع والأماكن العامة، ما كان يتسبب فى أضرار كبيرة لهم، خاصة الأطفال والمصابين بأمراض مزمنة.
الحديث كان مع محمد صلاح، من قاطنى قرية «سمطا بحرى» التابعة لمركز «دشنا» بمحافظة قنا، التى تشهد تطورًا ملحوظًا فى جميع الخدمات العامة بداخلها، منذ بدء تنفيذ «حياة كريمة»، خاصة القمامة، التى تراكمت أمام منازلهم لسنوات طوال، وكانوا يتخلصون منها بمساعدة شباب القرية الذين يتطوعون لحملها بعيدًا عن المنازل.
وقال «صلاح» إن القمامة كانت تصيب الأهالى بالكثير من الأمراض، خاصة الأطفال، بسبب تراكمها بشكل ملحوظ أمام المنازل وفى الشوارع الرئيسية، وعدم الاهتمام بإزالتها من قِبل العاملين فى منظومة المخلفات، لكن مع قدوم مبادرة «حياة كريمة»، اختلف الوضع بشكل جذرى، عبر إزالتهم لهذه القمامة، بمشاركة شباب القرية. وأوضح إبراهيم السيد، من أهالى القرية، أن «العاملين فى قطاع المخلفات ضمن مبادرة (حياة كريمة) انتشروا داخل قريتنا، خلال الفترة الماضية، وقضوا على تلك المشكلة نهائيًا، كما أن مسئولى المبادرة يرسلون هؤلاء العاملين إلى القرية أسبوعيًا، لحمل القمامة بعيدًا عن المنازل والشوارع».
وشدد على أن التعامل مع هذه المشكلة لم يقتصر على «سمطا بحرى» فقط، وامتد ليشمل العديد من القرى الأخرى فى محافظة قنا، ضمن تنفيذ المرحلة الثانية من مبادرة «حياة كريمة»، التى تتضمن تقديم العديد من الخدمات العامة للمواطنين. واختتم بتوجيه الشكر لكل من أسهم فى توفير هذه الخدمة، وحل أزمة كانوا يعانون منها لسنوات طويلة، قائلًا: «شكرًا لكل القائمين على مبادرة حياة كريمة.. أخيرًا أصبحنا قادرين على استنشاق هواء نظيف».
«التنمية المحلية»: يمكن تحقيق استفادة اقتصادية منها مثل الصين
قال الدكتور ولاء جاد عبدالكريم، مدير الوحدة المركزية لمبادرة «حياة كريمة» فى وزارة التنمية المحلية، إن هناك العديد من المشروعات التنموية الأساسية التى تنفذها الوزارة ضمن المبادرة، على رأسها توصيل الخدمات والمرافق، مثل خطوط الصرف والمياه، سواء بالإنشاء أو إعادة الإحلال والتطوير، بالإضافة إلى جمع وإعادة تدوير المخلفات.
وأضاف «عبدالكريم»: «المرحلة الثانية من مبادرة (حياة كريمة) تستهدف التوسع فى هذه المشروعات التنموية، لأنها تمس المواطن وتغير من واقع حياته، وصولًا إلى تطوير الخدمات الأساسية وتوصيل المرافق لقرى ومراكز كل المحافظات المصرية، وبالتالى توفير حياة كريمة لكل المواطنين».
وأشار إلى وجود تنسيق وتعاون على مستوى رفيع بين كل الوزارات والجهات المعنية، لتنفيذ هذه المشروعات، موضحًا أن «كل ملف أو قطاع يعد مهمة ومسئولية وزارة معنية، وعليه تتم متابعة مستجداته من قبلها ومسئولى مبادرة حياة كريمة».
وأرجع اختيار هذه المشروعات على وجه التحديد إلى كونها تمس حياة المواطن بشكل مباشر، كما أنه يمكن الاستفادة ماديًا من بعضها، ضاربًا المثل بمشروع جمع وتدوير المخلفات، الذى يوفر على الأهالى الكثير من النفقات التى يصرفونها فى جمع القمامة والتخلص منها، فضلًا عن دوره فى حماية المواطنين من انتشار الأمراض التى تشكل خطورة على الصحة العامة.
واتفق معه صبرى الجندى، المستشار السابق لوزير التنمية المحلية، قائلًا إن ملف تدوير القمامة يعد واحدًا من أهم وأبرز الملفات التى يمكن أن تعمل الدول على تنفيذها وتحقيق استفادة عظمى من ورائها، مشيرًا إلى أن الصين- على سبيل المثال- تأتى على رأس قائمة الدول التى تستورد أطنانًا من القمامة، بهدف إعادة تدويرها فى إنتاج صناعات مختلفة.
وأضاف: «الحكومة والجهات المعنية يمكن أن تحقق عائدًا ربحيًا ضخمًا من وراء الاستثمار فى القمامة، وإدارة هذا الملف بشكل جيد، ففى حال إعادة تدوير القمامة واستخدامها فى إنتاج صناعات مختلفة، سيدر هذا فوائد كبيرة على البلد، فى ظل اعتماد صناعات مهمة ومختلفة على هذه المخلفات، مثل إنتاج المواد الكيماوية وصناعة الأسفلت».