عودة مصر
على عكس التيار السائد على الساحة، حاليًا، فإننى أرى أن يناير ٢٠١١ كانت حدثًا إيجابيًا فى تاريخ مصر، ذلك أنها كانت الخطوة الأولى التى أدت إلى يونيو ٢٠١٣، وهى ثورة إصلاحية من داخل الدولة المصرية، حافظت على كيان الدولة ودعمته، لكنها حرصت على تلافى كل الأخطاء التى وقعت فيها «الجمهورية الأولى»، وهى ترسم ملامح «الجمهورية الثانية».. تفاصيل كثيرة تؤكد هذه الرؤية التى لا يتحدث عنها الرئيس السيسى، ولكنه يحولها لخطوات ملموسة على أرض الواقع.
واحدة من ملامح الإصلاح هى عودة الدور المصرى العربى والإقليمى، وفى القلب الدور المصرى فى فلسطين وغزة تحديدًا.. كانت مصر حاضرة طوال الوقت فى القضية الفلسطينية كوسيط وكراعٍ، ولكن السنوات الأخيرة قبل ٢٠١١ شهدت سرقة الدور المصرى فى غزة، وتصوير مصر على غير حقيقتها.
ولا بد من الاعتراف بأن الدولة المصرية كانت تعانى وقتها من مؤامرات شتى، ومن تكلس وشيخوخة أصابا أداءها فى كثير من الملفات، وكان من بينها إدارة الوضع فى غزة.. كانت حماس قد دخلت فى مواجهات متكررة مع إسرائيل، ورغم مساندة مصر الحق الفلسطينى، فإن دورها كانت تتم المزايدة عليه.. كانت حماس هى مخلب القط فى الهجوم على مصر، وكانت الذريعة، غالبًا، قرارات تتخذ فى أوقات المواجهات بإغلاق معبر رفح لدواعٍ وتخوفات أمنية أثبتت الأيام صحتها.. كان ذلك يؤدى لقيام حماس بتشويه الدور المصرى لدى المواطن الغزاوى.. بينما كانت جماعة الإخوان «الجماعة الأم لحماس» تشوه صورة الدولة المصرية فى عيون الشعب المصرى.
ورغم كل التضحيات المصرية كانت تتم المزايدة على مصر.. وكانت الدول المعادية لمصر جاهزة لاحتلال الأراضى التى تم إخلاؤها من النفوذ المصرى.. ظهرت دولة عربية بعينها كممول سخى لحماس ولقادتها، وبدأت دول إقليمية كبرى فى المزايدة على قضية القدس وتحرير المقدسات الإسلامية.. بكل تأكيد كان هناك قصور من الدولة المصرية فى إدارة الملف سياسيًا، رغم نبل التضحيات المصرية. تم تصوير الأمر على أن هناك معسكرًا للمقاومة يقوده آخرون ومعسكرًا للمهادنة تقف فيه مصر، ولم يكن هذا صحيحًا.. كل ما فى الأمر أن قصورًا سياسيًا وإعلاميًا شاب إدارة الموقف المصرى.. داخل مصر كانت جماعة الإخوان تجد فى قوافل الإغاثة فرصة للوجود والاستعراض السياسى، والظهور بمظهر البديل للدولة المصرية.. وكانت هناك مسرحيات يتم إخراجها إعلاميًا حول إغلاق المعابر أمام قوافل الإغاثة.. ومنعها من دخول غزة.. إلخ، ولم يكن ذلك صحيحًا على الإطلاق.. بشكل إجمالى كان تشويه الإخوان صورة الدولة المصرية فى مواجهات ٢٠٠٨ و٢٠١٠ من عوامل ما حدث فى يناير ٢٠١١.. الآن اختلف الوضع تمامًا؛ نتيجة رؤية إصلاحية تجيد هزيمة الأعداء.. وتتلافى أخطاء الماضى.. قوافل الإغاثة التى قدمتها الدولة المصرية أغلقت الطريق أمام المتنطعين والمزايدين.. بدا موقف الدولة المصرية ناصعًا، لأن الإخوان الذين اعتادوا تلويث الثوب الأبيض غابوا عن الساحة.. أما القرار الذى اتخذه الرئيس بإعادة إعمار غزة بـ٥٠٠ مليون دولار، فهو أعظم استثمار سياسى مصرى فى نصف القرن الأخير.. وهو أهم قرار سياسى مصرى بعد قرار العبور.. قرار يعيد غزة إلى أحضان مصر، وقد كانت دائمًا مصرية، قرار يغلق الطريق أمام المزايدين.. قرار يجفف منابع ما يحدث فى سيناء من هناك.. ويضمن للدولة المصرية ورجالها وشركاتها إسهامًا حقيقيًا، ليس فقط فى إعمار غزة، ولكن فى إصلاح الأحوال فيها بشكل دائم.. وهو ما ينعكس بالإيجاب على مكانة مصر ودورها الإقليمى.. تحية للقرار وللتخطيط وللعمل.. تحية لمصر الجديدة.