الإخوان وفلسطين.. تاريخ من المتاجرة
لا أبالغ إذا قلت إن تاريخ جماعة الإخوان هو فى جزء كبير منه تاريخ من المتاجرة بقضية فلسطين.. إن ما أطرحه فى السطور القادمة ليس دعاية سوداء ضد جماعة الإخوان من كاتب يقف فى المعسكر المضاد لها، ولكنه مجرد تحليل قابل للصواب والخطأ، وإن كنت أظن أنه أقرب للصواب بكل تأكيد، إننى أعود لتاريخ الفترة التى سبقت حرب ١٩٤٨ لأقول إن مزايدة جماعة الإخوان المسلمين على الملك فاروق وعلى الأنظمة العربية وقتها كانت أحد الأسباب الرئيسية لاندفاع هذه الأنظمة لخوض حرب لم تكن مستعدة لها ولا قادرة على الانتصار فيها.
وأصل الموضوع أن جماعة الإخوان المسلمين لم تفعل شيئًا منذ قيامها فى ١٩٢٨ سوى استثمار العواطف الدينية عند المسلمين المصريين ثم غيرهم.. هذه العواطف موجودة ومبررة ومقدرة.. لكن ما فعله حسن البنا أنه استغل مخاوف المسلم العادى من التغريب بعد الاحتلال.. فضاعف هذه المخاوف وضخّمها وطرح تطرفًا مضادًا لها.. هذا التطرف كان يحمل شعارات كبيرة، محملة بعواطف أكبر، مثل إعادة إحياء الإسلام، والاقتداء بالرسول «ص».. وتشبيه دعوة الإخوان بالدعوة المحمدية فى بدايتها.. وهكذا ما أن اشتد عود الجماعة فى مصر نتيجة استثمار مخاوف المسلمين من التبشير والتغريب وضياع الخلافة.. حتى كان الوجود الصهيونى فى فلسطين قد بانت ملامحه.
وكانت هذه فرصة حسن البنا الثانية لاستغلال مشاعر الخوف لدى المسلمين العاديين من ضياع مقدس لديهم.. وكان ذلك مربوطًا برؤية دينية للصراع ترى فيه تكرارًا للصراع بين الرسول «ص» ويهود الجزيرة العربية.. تحت شعار «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود»، واندفع الإخوان واجدين فى شعار الحرب فى فلسطين مبررًا لممارسة العنف والإرهاب على أوسع نطاق.. حيث أسسوا الميليشيات المسلحة، وصنعوا المتفجرات، وخزّنوا الأسلحة، وكان شعارهم المعلن أن كل هذا يجرى استعدادًا للقتال فى فلسطين.. وفى الطريق إلى هذا أقاموا الصلات مع الحزب النازى فى ألمانيا من خلال الشيخ أمين الحسينى، مفتى القدس، الذى ذهب للإقامة فى برلين فى ضيافة أدولف هتلر، زعيم الرايخ الألمانى.
وتحت شعار الحرب فى فلسطين أيضًا استهدف الإخوان اليهود المصريين بأكبر حملة تفجيرات طالت شركاتهم ومحلاتهم وأماكن إقامتهم.. وكان ذلك تحريضًا لشارع مستعد بالفعل، بحكم العاطفة، للتحرك لنصرة أشقائه فى العروبة والإسلام.. لكن الواقع المر أنه لا الإخوان المسلمين بكتائبهم المزعومة التى ادعوا أنها جاهزة للحرب، ولا الجيوش العربية كانت جاهزة للحرب وقتها.. فالإخوان الذين رفعوا شعار «خيبر خيبر يا يهود» غاب عنهم أن اليهود الذين هُزموا فى خيبر كانوا قبائل عربية تدين باليهودية.. وأنه لم يكن ثمة فارق حضارى بينهم وبين العرب المسلمين الذين كانوا أكثر شجاعة وتنظيمًا وعقيدة فانتصروا عليهم.. وهو وضع يختلف تمامًا عن وضع المنظمات الصهيونية التى حاربت فى فلسطين، التى كان غالبية مقاتليها قد حاربوا فى صفوف جيوش الحلفاء لمدة ست سنوات متواصلة.. فاكتسبوا دربة وخبرة قتالية.. إضافة إلى مستوى تعليم متميز، وهو ما يختلف عن حال الجيوش العربية التى اضطرت لدخول الحرب استجابة لمناخ التسخين الذى قاده الإخوان المسلمون وخوفًا من المكاسب السياسية التى كان يمكن أن يحققوها إذا ما قبلت الدول العربية قرار التقسيم الذى كان يكفل للفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة على ما يزيد بكثير من المساحة التى يمكن أن تتاح لهم الآن لو أُقيمت الدولة الفلسطينية.. إننى أعرف أن هذه قراءة مختلفة للتاريخ، لكننى أظن أنها قراءة صادقة وشجاعة، وضرورتها أن قراءة الماضى تحمينا من الوقوع فى الفخ مرة أخرى.. مهما بدت صورة الفخ جذابة ومغرية.. أما التحية الواجبة فهى للدولة المصرية التى تحمى الحق الفلسطينى وتصونه بغض النظر عن التفاصيل، وما أكثر التفاصيل فى هذه القضية.