دراسة: «الإخوان» الجهة الرئيسية وراء الهجمات الإرهابية في فرنسا منذ 2015
كشفت دراسة أعدها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أن جماعات الإسلام السياسي لا تزال تشكل تهديدا أمنيا لفرنسا بالرغم من البرامج والإجراءات الاستباقية التي تبنتها الحكومة الفرنسية لمكافحة التطرف العنيف.
وأوضحت الدراسة أن الإرهابيين المتطرفين المنتمين لتيار الإسلام السياسي المتشدد، خصوصا الإخوان والسلفيون منهم، هم الجهة الرئيسة التي وقفت خلف سلسلة الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة أكثر من 250 شخصا في فرنسا منذ عام 2015.
وأضافت أنه بحسب تقرير صادر عن مجلس الشيوخ في فرنسا في يوليو من العام الماضي، فإن "التطرف الإسلاموي أصبح حقيقة لا بد منها"، لا سيما في ظل العدد المتزايد من المتطرفين الواردين إلى البلاد، مشيرة إلى أن هناك ما يقرب من 50 ألف شخص من جماعة الإخوان يعيشون في فرنسا، فيما يبلغ عدد المنتمين للتيار السلفي 40 ألفا.
وأوضح وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، أن التهديد الإرهابي لا يزال مرتفعا في فرنسا، عقب الإعلان عن وجود أكثر من ثمانية آلاف شخص (8132) مدرجين على قائمة التقارير للوقاية من التطرف ذات الطابع الإرهابي، معتبرا أن الإفراج القريب عن 505 سجناء متطرفين- يضاف إليهم 702 من سجناء الحق العام الذين قد يصبحون متطرفين فيما بعد- "تحدٍ أمني كبير".
برامج مكافحة التطرف في فرنسا
وذكرت الدراسة أن الحكومة الفرنسية تبنت برامج وقائية عدة، وخطط استباقية تهدف إلى محاربة التطرف العنيف، في إطار قانون "تعزيز قيم الجمهورية" الذى تم طرحه في نوفمبر 2020 ويهدف إلى مراقبة تمويل وعمل الجمعيات المشتبه في تطرفها ومنع سيطرة المتطرفين على المساجد، كما يتضمن عدة جوانب، منها ما يتعلق بمعاقبة المحرضين على الكراهية عبر شبكات الإنترنت.
وتابعت أن هذه البرامج تتمثل في: برنامج تأهيل الائمة، هو عبارة عن مقترحات قدّمها المجلس الفرنسي للديانة الإسلاميّة من أجل العمل على مسألة منع التطرّف وتفكيك الخطاب المتشدد وتدريب رجال الدين من خلال دورة مشتركة.
و خلال هذا البرنامج، تمت مناقشة مسألة شهادات الأئمّة التي بُحثت مراراً دون نتيجة خلال السنوات المنصرمة، وهي مسألة تسمح بالتحقّق من المستوى التعليمي لدى رجال الدين و"قدرتهم على رعاية المؤمنين، ولا سيّما الأصغر سنّاً بينهم"، كما يهدف إلى إنهاء التعاون مع 300 إمام من عدة دول أجنبية.
ولفتت الدراسة إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن في الثاني من أكتوبر 2020، عن تخصيص مبلغ 10 ملايين يورو لـ "مؤسسة إسلام فرنسا"، في إطار برنامجه لخلق معهد علمي للدراسات الإسلامية ضمن خططه لمكافحة التطرف الديني.
وأضافت أن فرنسا عملت أيضا على خلق برامج لتأهيل الموظفين، إذ حثت الحكومة الفرنسية على تعزيز الرقابة؛ من خلال أجهزتها الأمنية، وتوعية وتأهيل الموظفين المحليين، وكذلك أعضاء المجالس المحلية، كالبلديات وغيرها وذلك بدءا من 10 يوليو من العام الماضي.
ألية تصنيف المتطرفين في فرنسا
ذكرت الدراسة أنه يتم في فرنسا الآن تسجيل عدة أنواع من الملفات الشخصية في سجلاتِ بلاغاتِ الوقايةِ من التطرف (FSPRT) سواء للقصر أو البالغين، رجالًا ونساء، اذ يتم تصنيفهم ومراقبتهم حسب درجة خطورتهم.
وأوضحت ان المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) تهتم بالأفراد الذين يتطلبون مستوى عالٍ من المراقبة، في حين أن أولئك الذين يعتبرون أقل خطورة يتم رصدهم من قبل دائرة المخابرات (SCRT)، كما أن دوائر الشرطة القضائية مسئولة عن متابعة الأشخاص المسجلين لدى (FSPRT)، ولا سيما عند إجراء تحقيق قضائي.
وتابعت الدراسة: تملك وزارة الداخلية الفرنسية وفقا لمرصد الأزهر"ملفًا يُعرف باسمِ المصنفينَ S الذي يرمز لكلمة" أمن" بالفرنسية، تُجَمِّعُ فيه الوزارة كلَّ المعلومات عن أي شخص يُشتبه بأنه" يُشكل خطرًا على الأمن العام الفرنسي" كالأشخاص المتطرفين، إضافة إلى الأشخاص الذين يتم تقييمهم على أنهم يُشَكِّلونَ “تهديدًا إرهابيًّا”، والذين تَمَّ تسجيلهم في سجلاتِ بلاغاتِ الوقايةِ من التطرف (FSPRT).
كما أن هناك العديد من المستويات من المصنفين “S” وفقًا لدرجة خطورتِهِم، حيثُ تتراوحُ درجاتُ الخطورة من (1 ـ 16).
خداع المتطرفين للجهات الأمنية
وكشفت الدراسة عن أن هناك سجين فرنسي، يدعى "ميكائيل تشيولو" تمكن من خداع الأجهزة الأمنية داخل سجن فرنسي، عبر استغلال زيارة شريكته تدعى "حنان أبو الهنا" له في السجن ليهاجما حارسي سجن ويصيبانهما بجراح بليغة.
وذكرت أنه بحسب وزارة العدل الفرنسية فقد تظاهرت شريكته "حنان أبو الهنا" ، بالمرض، مما استدعى اثنين من الحراس إلى غرفتهما لتفقد الأمر، فاستغل السجين انشغالهما بشريكته لينقض عليهما بسكين، مشيرة إلى أن قضاة مختصون بقضايا الإرهاب في باريس يعتقدون بأن السجين نفذ الهجوم بسكين مصنوعة من السيراميك ربما هربته شريكته إلى الداخل.
وتابعت: كانت الشرطة تعرف هوية "رضوان لقديم"، وهو إرهابي نفذ عدة عمليات إرهابية في فرنسا، إذ كان ضمن قائمة المتطرفين الخاضعين للمراقبة، غير أنه لم يُكن ينظر إليه على أنه يشكل تهديدا، وقررت الشرطة لاحقا أنه لن يقدم على المشاركة في أي هجوم، ولكن استطاع (رضوان) خداع الأجهزة الأمنية الفرنسية وشن هجوم إرهابي جنوب غرب فرنسا. وأطلق النار على المارة في عدة مواقع عامة في عام 2018.
خبراء عن إجراءات فرنسا لمكافحة التطرف
ونقلت الدراسة عن إبراهيم المهالي، إمام مسجد بيربينيان في فرنسا، قوله "أن أغلب المتطرفين في فرنسا ليسوا أبناء المساجد ولا المراكز الثقافية الإسلامية، فهم يملكون سوابق قضائية في ملفات لا علاقة لها بالدين، إذ يحاولون القطع مع ماضيهم بالتطرف والإرهاب".
وتابع أن "مساراتهم تبيّن أن لكل منهم دوافع شخصية بالأساس”، لكن عموما ما يلاحظ حسب قوله هو انحدارهم من الضواحي التي يتنامى فيها الإحساس بالتهميش."
وفي هذا الصدد، يرجع رومان ساف، عالم الاجتماع والباحث في المعهد الوطني للدراسات العليا للأمن والعدالة، سبب عدم تمكن السياسات العامة المنتهجة في فرنسا من الحد من ظاهرة التطرف الإسلاموي إلى الدور الرئيسي لعائلات الشبان الذين التحقوا بتنظيم داعش في سوريا وكيف يصطدم هؤلاء الآباء والأمهات بعجز الدولة التي لا تزال تعتبر اعتناق الأصولية حرية من الحريات الأساسية.
فيما يرى محللون وخبراء أن فرنسا اعتمدت على المستوى الداخلي، برامج وقائية واستباقية لمنع تطرف الجماعات والأشخاص المعرضين للالتحاق بالجهاديين، الذين لديهم ميول نحو التطرف العنيف.
حيث ترتكز البرامج الوقائية والخطط الاستباقية في فرنسا على تأهيل الائمة والموظفين المحليين وإشراك المراكز الإسلامية في تأهيل المتطرفين، مواجهة الاستقطاب الذي يمارس داخل السجون الفرنسية، فضلا عن إعادة تأهيل واندماج لمن اعتنقوا الفكر المتطرف في الضواحي الفرنسية.
ولكن، من الناحية الأخرى، استكملت الدراسة أن هناك اعترافات رسمية من الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في فرنسا بمحدودية هذه البرامج، وأنها لاتأتي بجدوى وأنها غير مثمرة النتائج؛ كون أن العناصر المتطرفة تغييرمن تكتيكاتها طوال الوقت لخداع الأجهزة الأمنية، هذا بالأضافة إلي وجود قصور في تعقب المتطرفين من الأجهزة الأمنية، ووجود قصور في فهم خلفيات التطرف من قبل فرنسا ودول أوروبا بشكل عام .