الإيكونوميست: التحاق النساء بالجيوش يواجه حربًا ثقافية
قالت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، إنه على الرغم من تزايد أعداد المجندات في جيوش بعض الدول، وما أحدثه ذلك من تغيير في طريقة عمل القوات، فمن الممكن أن تصبح جهود أنصار التغيير في هذا الشأن رهينة لحروب ثقافية أوسع نطاقا.
وأوضحت المجلة البريطانية، في تقرير لها: "إن عدد المجندات في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة خلال الفترة بين عامي 1957 و1989 لم يكن يتجاوز عشرين مجندة، إلا أن عدد المجندات تزايد بعد ذلك، وعلى سبيل المثال، أصبحت المجندات يشكلن الآن ما يعادل خمس عدد ضباط الجيش الأمريكي، فيما تم السماح لهن بالقيام بأدوار قتالية في 16 دولة أخرى، من بينها بريطانيا وفرنسا وأمريكا، على الرغم من أن تلك الأدوار كانت تقتصر على المجندين فقط في وقت ما".
وأشارت إلى أن "هذا النمو شجع على التفكير بشأن الأدوار التي يمكن أن تؤديها المجندات، واضطر القادة إلى بحث كيفية مواجهة آثار الحروب بوجه عام على المجندات، لكن التقدم في ذلك لم يكن سريعا ولم يحدث تغيير جذري في هذا المجال".
وقالت المجلة البريطانية، في تقريرها: "إن الأمم المتحدة قامت بدور رائد فيما يتعلق بتشجيع زيادة عدد المجندات في القوات المشاركة في مهام حفظ السلام التابعة للمنظمة، وتعهدت بزيادة معدل مشاركة المجندات من 1% خلال عام 1993 إلى 15% بحلول عام 2028، وإلى 20% في وحدات الشرطة".
ونوهت إلى أنها أرسلت 103 مجندات هنديات إلى ليبيريا عام 2007، حيث شكلن أول وحدة شرطة نسائية بالكامل هناك، وبعد ذلك جرى تشكيل وحدات شرطة نسائية من بنجلاديش ونشرها في هايتي والكونغو.
وأضافت أن هذه الأفكار انتشرت على نطاق واسع، وشجعت رئيس الأركان الكندي على اختيار سيدة كمستشارة له، كذلك أشار الجنرال كورتيس سكاباروتي، أحد كبار قادة حلف شمال الأطلنطي حتى عام 2019، إلى استخدام الولايات المتحدة وحدات عسكرية نسائية في العراق وأفغانستان، حيث كان للمجندات تأثير كبير على العائلات والمجتمعات هناك.
ولفتت مجلة "الإيكونوميست" إلى أن الجيش الأمريكي كان قد أجرى خلال عام 2011 دراسة عن سبب قيام الكثير من الجنود الأفغان بمحاولات قتل زملائهم الغربيين، وأظهرت الدراسة أن السبب في ذلك تمثل في قيام جنود غربيين بانتهاك خصوصية النساء أثناء عمليات التفتيش التي كانت تجري في أثناء المداهمات الليلية، بينما أشارت الدراسة إلى أن الانطباعات إزاء المجندات الأمريكيات كانت أفضل ويُنظر إليهن باحترام.
من ناحية أخرى، أشارت السفيرة الكندية جاكلين أونيل، المتخصصة في شئون المرأة والسلام والأمن، إلى أن معظم العمليات الانتحارية التي دبرتها جماعة «بوكو حرام» الإرهابية النيجيرية نفذتها سيدات، حيث كانت تستخدم الجماعة النساء لأنها تدرك إمكانية دخولهن إلى الأسواق بسهولة وعدم تفتيشهن في الغالب عند نقاط التفتيش.
من جانبها، قالت جوان جونسون فريسي، الأستاذة بالكلية الحربية البحرية الأمريكية في جزيرة رود آيلاند: "إن الكثير من الجيوش لا تستفيد من خبرات المجندات في عمليات التفتيش النسائية، على الرغم من أننا نجد رد فعل طيب أثناء قيامنا بالتشجيع على ذلك فى أماكن أخرى مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية".
وأشارت إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب كانت قد خصصت أربعة ملايين دولار فقط لمعالجة القضايا المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن في ميزانية الدفاع لعام 2018/ 2019، ويعتبر هذا المبلغ ضئيلا إذا قورن بالمبالغ التي أنفقتها البنتاجون عام 2014 على الفياجرا وأدوية ضعف الانتصاب الأخرى حيث أنفقت حوالي 84 مليون دولار".
ونقلت «الإيكونوميست» عن سكرتير عام الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، قوله خلال عام 2019 إن المسألة ليست مجرد مسألة أعداد فقط، بل إنها تتعلق بفعاليتنا لتنفيذ تفويضاتنا.
وقالت المجلة إن دراسات أجرتها بعثات الأمم المتحدة أظهرت أنه من المحتمل أن يتم إرسال مجندات لحفظ السلام إلى بعثات في مناطق يقل فيها استخدام السلاح أثناء الصراعات.
وتقول د. صابرينا كريم، الأستاذة بجامعة "كورنيل" في نيويورك، إن عدد المجندات سجل تراجعا؛ لأن بعض القادة ما زالوا يشعرون بالحاجة لحمايتهن من الخطر حتى لو أدى ذلك إلى منعهن من أداء عملهن، وأنهم يخشون من أن يؤدى فقدان مجندة في إحدى المعارك إلى إثارة ضجة إعلامية، وأنهم يتصرفون على أساس هذا الافتراض على الرغم من أن ذلك يتسبب في منعهن من المساهمة في عمليات بأماكن تحتاج إليهن في الغالب.
وتؤكد جريتشن بولدوين، الباحثة بمعهد أبحاث السلام الدولي في نيويورك، أن الدفع بالمزيد من المجندات للمشاركة في عمليات حفظ سلام دون معالجة المشاكل التي تعرقل عملهن يشكل أخطارا على كل من المجندات وبعثة حفظ السلام، ومن الممكن أن تتفاقم الأمور إذا جرى إرسال مجندات دون إعدادهن بطريقة جيدة لأداء مهامهن.
واتهمت الباحثة بعض القادة العسكريين بالنفاق، قائلة إنهم يرفضون إرسال مجندات إلى مناطق خطرة رغم أنهن مدربات جيدا على مواجهة مثل هذه المواقف، بينما لا يفكرون في خطر التحرش الذي تواجهه المجندات من زملائهن الجنود.
بينما قالت د.جورجينا هولمز، بكلية "كينجز كوليدج" في لندن، إن مجندات من رواندا جرى إرسالهن إلى إقليم "دارفور" أعربن عن شكواهن من عدم تلقي التدريب الكافي للتعامل مع العدد الكبير من ضحايا العنف الجنسي هناك.
من جانبها، فإن منظمة الأمم المتحدة ردت على ذلك بقولها إنها تسعى لمحاولة معالجة هذه المشاكل، ويتم تنظيم دورات تدريبية قبل نشر بعثات لحفظ السلام تتضمن التدريب على وسائل للحيلولة دون الاستغلال الجنسي من جانب أفراد من جنود الأمم المتحدة ولمواجهة العنف الجنسي الذي يتعرض له مدنيون.
وتؤكد الأمم المتحدة أن دور المجندات لا تقتصر أهميته على معالجة مشكلات المرأة فقط، بل إنه بالغ الأهمية في المساعدة على تمكين المرأة في الدولة المضيفة؛ نظرا لأنه يشجع النساء هناك على القيام بأي عمل، وقد شجع دور مجندات الشرطة الهندية في ليبيريا، على سبيل المثال، فتيات ليبيريات على الانضمام للشرطة الوطنية.
وترى مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، أن النقاش بشأن دور مجندات حفظ السلام يعكس قضايا أوسع نطاقا تتعلق بدور المجندات في الجيوش الوطنية، حيث أشار استطلاع للرأي بين جنود أمريكيين ومحاربين قدماء خلال شهر يناير عام 2019 إلى أن 70% منهم يوافقون على قيام المجندات بأدوار قتالية، بينما رفض 30% ذلك.
واستدركت المجلة قائلة: "لكن الكثيرين في الواقع ما زالوا متشككين إزاء مشاركة المجندات، حيث قال أحد الضباط الأوروبيين إن زملاءه يعربون عن عدم ثقتهم في الجهود الرامية إلى زيادة عدد المجندات في عمليات حفظ السلام".
وأكدت المجلة البريطانية أن "الجهود الرامية إلى إجراء تغيير يمكن أن تصبح في الغالب رهينة لحروب ثقافية على نطاق أوسع، حيث اضطر البنتاجون خلال فصل الخريف الماضي، على سبيل المثال، إلى تأجيل ترقية سيدتين برتبة جنرال، خشية أن يستخدم الرئيس السابق دونالد ترامب حق الفيتو ضد ذلك، وبعد ذلك تمت ترقيتهما في شهر مارس خلال عهد الرئيس جو بايدن".
وأضافت: "المذيع تاكر كارلسون أعرب عن سخريته من ذلك خلال برنامجه بشبكة «فوكس نيوز»، حيث سخر من فكرة أن تذهب «مجندات حوامل» لخوض حروب أمريكية، وقال إن ذلك يمثل استهزاء بالجيش الأمريكي"، مشيرا إلى أن "الجيش الصيني أكثره من الذكور".
واختتمت المجلة البريطانية تقريرها بأنه على الرغم من تعرض المذيع الأمريكى للتوبيخ من جانب البنتاجون، إلا أن الكثير من المشاهدين أعربوا عن اتفاقهم معه في الرأي، وأنه في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المجندات فإنه سيتعين على الكثير من الدول معالجة مشكلة التمييز على أساس نوع الجنس المؤسسي؛ لأن الجيوش الحديثة لم تعد تعتمد على القوة البدنية فقط بل تتطلب قوات متمرسة على استخدام التكنولوجيا، وتكون لديها القدرة على أن تسلك ميادين معارك معقدة، ولذلك فإنه سيتعين عليها مواصلة إجراء تغيير حتى يمكن للمجندات أداء الخدمة على قدم المساواة.