هل نحن على أعتاب شرق أوسط جديد؟
منذ مجيء الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن فى بداية عام 2021 والعالم يترقب السياسات الأمريكية الجديدة فى العالم وتعامل أمريكا مع الصين وروسيا المنافسين الاستراتيجيين لها فى الفترة الحالية كقطبين صاعدين ينهيان سيطرة أمريكا كقطب واحد مهيمن فارض لسياساته ومصالحه على حساب دول وشعوب العالم.
وكما توقع الكثيرون ومنهم كاتبة هذا المقال بتغيرات جديدة تختلف عن فترة الرئيس السابق ترامب حدث خلال المائة يوم الأولى من حكم بايدن تغيرات فى الساحة الداخلية والعالمية، حيث ركز جو بايدن فى سياساته فى الداخل الأمريكى على التخفيف من حدة تداعيات فيروس كورونا الصحية والاقتصادية وأيضًا رأب الصدع فى تصاعد العنصرية والتمييز ضد السود من أصل إفريقى وضد المهجرين والأقليات.
أما بالنسبة للسياسة الخارجية فقد عاد جو بايدن لبعض الاتفاقيات الدولية التى انسحب منها ترامب وعلى رأسها اتفاقية المناخ، ومنظمة الصحة العالمية، وأعاد تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بجانب عودة أمريكا إلى الاتفاق النووى الإيرانى (5+1) الذى تم فى عام 2015 وانسحب منه دونال ترامب فى 2018. ولكن ما زال جو بايدن يسير على طريق ترامب فى العداء للصين وروسيا باعتبارهما خصمين، وأكد على ذلك الأسبوع الماضى فى اجتماع الدول السبعة الكبرى (أمريكا – إنجلترا – فرنسا – ألمانيا – إيطاليا – اليابان – كندا)، حيث قال وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن: روسيا ما زالت مدعوة إلى الطاولة ولكن ممارستها فى أوكرانيا خطر على أوروبا وأمريكا، هذا بجانب طرد عدد من الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة الأمريكية، وتحاول أمريكا وضع العراقيل أمام صعود الصين كأقوى اقتصاد فى العالم إذا قسناه وفقًا لنظام تعادل القوى الشرائية الفعلية لليوان والدولار.
ووسط محاولة أمريكا العودة للمشهد العالمى وإعادة التحالف الغربى مع أوروبا للواجهة تعيد أمريكا سياساتها وترتيب أوراقها فى منطقة الشرق الأوسط بؤرة الصراعات والتوترات والنزاعات المشتعلة والتى استنزفت العديد من الدول اقتصاديًا وأمنيًا واستنزفت أيضًا أمريكا (التى تحاول الآن الانسحاب فى سبتمبر القادم بعد عشرين عامًا من غزو أفغانستان) بجانب العدوان على العراق وقيادة التحالف الدولى للحرب على الإرهاب حتى الآن. تعيد أمريكا سياساتها من أجل إعادة هيكلة ورسم هذه المنطقة ليعاد الهدوء والاستقرار والتعاون بينها وفى القلب منها تعيش إسرائيل آمنة وقوية.
ولننظر سويًا وندقق فيما يحدث الآن من أحداث ومفاوضات وتغيرات بخصوص منطقتنا ودولنا العربية من جهة وعلاقاتها بمحيطها الإقليمى إيران وتركيا، هذا غير الكيان الصهيونى المحتل لفلسطين العربية الذى يمر على قيامه فى منتصف هذا الشهر 73 عامًا، دعونا ننظر وندقق ونتساءل هل نحن أمام تنفيذ ما سمى بالشرق الأوسط الجديد؟
ولنبدأ بالمشهد الإيرانى الأمريكى حيث تدور الآن محادثات فى فيينا لتقريب وجهات النظر بالنسبة لأمريكا وإيران حول الملف النووى الإيرانى والعودة للاتفاق النووى مع رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران ويوجد بوادر تفاهمات حول هذا الملف. ولا يخفى بالطبع التخوفات الأمنية لكل من دول الخليج والكيان الصهيونى ومطالبات دول الخليج وعلى رأسها السعودية لإيران بعدم تمدد نفوذها على كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان والكف عن دعم "الميليشيات المسلحة" والتخلى عن امتلاك القنبلة النووية، وأيضًا عدم دعم إيران للحوثيين فى اليمن والذى أدى إلى استنزاف السعودية منذ 2015 حتى الآن بقيادتها للتحالف العربى الذى يشن الحرب على الحوثيين فى اليمن، كما تريد السعودية ضمان أمن الخليج والممرات المائية وأمن الوطن العربى.
الجدير بالذكر أنه أثناء كتابة هذا المقال نقلت لنا وكالات الأنباء العالمية خبرًا عن المحادثات بين إيران والسعودية لمحاولة حل الخلافات سلميًا وسياسيًا وعودة العلاقات بينهما، كما نقلت لنا وجود وفد سعودى فى سوريا للعمل على فتح سفارة للسعودية فى سوريا بعد عيد الفطر وأيضًا عودة سوريا للجامعة العربية.
وإذا انتقلنا للمشهد المصرى التركى نجد أن هناك مباحثات استخباراتية بين البلدين وزاد عليها وجود وفد تركى فى القاهرة لمزيد من المباحثات لعودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما، حيث يتم بحث مطالبات مصر بخصوص ملف الوضع الأمنى فى ليبيا، وملف ترسيم الحدود البحرية فى شرق المتوسط، وذلك بجانب ملف الإخوان المسلمين الذين ارتكبوا جرائم إرهابية داخل مصر وهربوا وأقاموا فى تركيا، ومطالب مصر بإغلاق القنوات الفضائية التى تحرض ضد النظام المصرى. وبالنسبة للمطلب الأخير نجد استجابة لإغلاق هذه القنوات وتخفيف حدة العداء للنظام المصرى مع استعداد تركيا للاعتراف بشرعية النظام المصرى مقابل عودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية إلى طبيعتها.
إن هذه الملفات ما زالت مفتوحة ويجرى بشأنها تفاهمات ومفاوضات لا بد من متابعتها لمعرفة ماذا يدور فى منطقتنا العربية؟ وماذا بخصوص مصالح الشعوب العربية وحقها فى الحياة بعزة وكرامة وحقها فى العدالة الاجتماعية والسلام والرخاء؟ وماذا بشأن الحل العادل للقضية الفلسطينية بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق اللاجئين فى عودتهم إلى ديارهم؟