الكلمة ليست لغة محدودة مثل الموسيقى أو الرسم.. لهذا السبب انتقل نزار قباني إلى الشعر
"وظيفة الشاعر هي أن يغير نظام الأشياء من حوله.. وظيفته أن يكون قنبلة موقوتة توضع تحت سرير أهل الكهف، وتحت أسرة المتخلفين والانشكارية.. نحن ولدنا لنجد عالما عربيا من حولنا كل قوانينه جاهزة وكل أفكاره حجرية، ولو كان دورنا أن ننحني لهذه القوانين، لكانت كتابة الشعر شيئا بسيطا للغاية.. الشعر في الحقيقة هو غضب وهو مواجهة.. وهو تحد".. هكذا تحدث الشاعر الراحل نزار قباني عن وظيفة الشاعر وكتابة الشعر، مؤكدا أن جدوى الشعر أنه يقتلع الخرافات من جذورها، وجدواه أن يفضح التمثيلية المزيفة، ويفضح الممثلين.
وفي حوار له بمجلة "الدوحة" بعددها رقم 7 الصادر بتاريخ 1 يوليو 1976، أوضح أن هناك شاعرا يقول الحقيقة، وهناك غيره يلتف حولها أو يهرب منها، مستطردا: وأنا أعتقد أن الشعب العربي هو من أرقى الشعوب العربية استماعا للشعر، هذا ميراثنا، وهذا في دمنا، لأنه لا يمكن للإنسان العربي أن يهرب من الشعر، كما لا يستطيع أن يهرب من لون جلده، وأن الشعب العربي حيت يتقدم الشاعر إليه بقصيدة تستوعبه أو تستقطب همومه، فإنه وبصورة تلقائية يتمسك بالقصيدة ويصاحب القصيدة.
ويعتقد نزار قباني أن سر القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي كونها في العالم العربي هو أنه لم يزيف نفسه في يوم من الأيام، ولا حاول أن يخدع الشعب العربي، مستشهدا خلال الحوار بقصيتده "هوامش على دفتر النكسة" وكذلك قصيدة "حشيش وخبز وقمر" إذ كان يكون فيهما الشعب العربي، لكن هذا الكي ناشئ عن الحب.
قبل أن يتجه نزار قباني إلى كتابة الشعر، كان يميل إلى الغناء والرسم، وعن هذا الأمر قال: لم يكن صوتي جميلا، ولكن كل إنسان يتصور أن صوته جميل، كنت أشعر أنه يمكن التعبير بالموسيقى عن النفس الإنسانية، وحاولت بالفعل أن أتعلم الموسيقى لكن ثبت لي – بعدين – أني سأكون موسيقيا فاشلا، وأنا لا أقبل أنصاف الحلول، فانتقلت إلى الرسم، وغرقت في الألوان والأصبغة واللوحات، وكنت أرسم حتى حيطان البيت.
وأضاف: بعد عامين من الرسم بالألوان والأصباغ، بعدهما كنت في الخامس عشر من عمري.. ثبت لي أن اللون أخرس، يعني ليس له لسان، مثلما الموسيقى يجب أن تتابعها بالإدراك النفسي وليس باللمس، وعندئذ اكتشفت أن الكلمة هي مبتغاي، شعرت أن الكلمة هي الأقدر على أن تعبر عن عواطفنا لأنها هي لغة الإنسان للإنسان، وهي لغة مباشرة، ليست لغة محدودة مثل الموسيقى أو الرسم، وهكذا انتقلت إلى الشعر.
في البداية كان نزار قباني يغني شعره ويدندن به، وكان لديه حالة سيولة من الموسيقى، تدفعه إلى أن يحول الكلمة دائما إلى شيء ملحن، واعتاد أن يكتب شعره دائما على خلفية موسيقية، أما الرسم فكانت غلافات كتبه يرسمها بنفسه.