«انتصارات العاشر من رمضان».. حكايات من دفتر أبطال حرب 73
حُفرت الذكريات في الأذهان، ونقلها أصحابها إلى كل من يعرفون حتى يظل الحدث باقيًا أمد الدهر شاهدًا على بسالة وشجاعة الجنود المصريين الذين دمروا أحلام العدو وهم صائمون. فتحتفل القوات المسلحة في اليوم العاشر من رمضان ذكري نصر 73.
“الدستور” حاورت في السطور التالية جنود حرب 73 الذين شاركوا في تحقيق هذا النصر وتحدثت معهم عن زكريات معركة العاشر من رمضان.
مجند مصطفى عبد العزيز: ظللت ممسكًا سلاحي حتى أصيبت في ذراعي
“نزلنا من السيارات على الجبهة ولم نكن نعلم حتى هذه اللحظة أن القادة اتخذوا قرار عبور خط بارليف، نظرت إلى قادة الكتيبة وضباطها وجدتهم جميعًا قد خلعوا رتبهم العسكرية وأصبحوا مثلنا عساكر فى الجيش يحاربوا مثلما نحارب” بهذه الكلمات بدأ المجند مصطفى عبد العزيز سلاح المظلات والإبرار الجوي خلال حرب أكتوبر، حديثه عن زكرياته مع حرب 73.
وقال مصطفى في حديثه مع "الدستور": دخلت الجيش عام 1969 وقت حرب الاستنزاف وشاركت فيها ومن بعدها حرب أكتوبر 1973، وتلقيت العديد من التدريبات فى الصاعقة والصاعقة الانتحارية حتى تم نقلى بعدها لسلاح المظلات والإنزال البري فى منطقة الهايكستب، وقبل الحرب بشهور تم نقلنا إلى أنشاص بالشرقية.
وأضاف: “وفي مساء يوم 5 أكتوبر تم نقلنا إلى معسكر الجلاء بالإسماعيلية وقضينا الساعات التى سبقت العبور فى الجلوس مع زملائنا نتحدث ونتسامر كأى يوم عادى. وصباح يوم العبور جاءتنا الأوامر بالتحرك فى سيارات كل فرد فى الكتيبة بسلاحه لكننا لم نكن نعلم أين نتجه”.
وتابع: “كنت أحمل رشاش خفيف 762*93 والطنبور الخاص به كان يحمل شريط به 100 طلقة، ووقت الحرب كنا نقوم بربط أشرطة الطلقات ببعضها حتى يكون لدينا طلقات أكثر”، موضحًا: “لكل حامل رشاش مساعد من المجندين يحمل بندقية آلى، وقبل ركوب السيارات التى نقلتنا إلى الجبهة كان كل مجند يحمل سلاحه مع الذخيرة الخاصة به وقنبلتين أحدهما هجومية والأخري دفاعية بالإضافة إلى زجاجة مياه”.
واستكمل: “فور نزولنا إلى الجبهة بدأ القتال واستمر من الثانية ظهرًا حتى غروب الشمس، وحققنا انتصارًا كبيرًا على قوات العدو التى لم تكن تتوقع هذا الهجوم المفاجئ”.
ولفت إلى أنه أصيب فى اليوم الأخير للحرب وبالتحديد 23 أكتوبر خلال الثغرة، مستكملا: "كان الضغط من جيش العدو كبيرًا علينا وأصيب الكثير من القوات، وجاءت إصابتى بالرصاص من إحدى الطائرات الإسرائيلية وكانت الأولى فى يدي اليسري وكنت ممسكًا بالرشاش فى يدي اليمنى وأوجهه نحو العدو كما أصبت في رقبتى وبطنى، وترحكنا وقتها نحو البحيرات والملاحات "مزارع الموالح فى الإسماعيلية" وقابلنا أهالى الأسماعيلية الذين نقلونا إلى المستشفي وأجرى الأطباء هناك لنا الإسعافات الأولية وتم نقلنا منها إلى مستشفي القصاصين ثم نقلنا منها إلى القاهرة عبر القطارات المجهزة لنقل المصابين"، مستطردا: “استشهاد زملائي أمامي من المشاهد التى لن أنساها أبدًا”.
وأنهى حديثه قائلا: "أقول للإرهاب الجيش الذي هزم إسرائيل فى عدة ساعات لن تستطيعوا الوقوف أمامه وأنا مستعد للذهاب إلى سيناء الآن ومحاربة الارهاب بجانب قواتنا المسلحة".
حميد موسي ضابط سرية: قواتنا المسلحة أصابت العدو بالشلل الفكري
فيما قال المهندس حميد موسي ضابط سرية 65 رادار بمنطقة فايد فى حرب 1973 إن قادة القوات المسلحة خططوا قبل الحرب بشهور طويلة مجموعة من الخدع لإيهام قوات العدو بعدم نيتنا الدخول فى حرب معها ولم يكن توقيت الحرب هو الخدعة الوحيدة، موضحاً أنه فى الأول من يونيه عام 1973 صدر قرار من القوات المسلحة بخروج حملة المؤهلات العليا الذين انتهت خدمتهم العسكرية وعودتهم إلى حياتهم الطبيعة وكنت واحد منهم وتم نشر وتداول الخبر فى جميع وسائل الإعلام واستغربنا وقتها لأن المؤهلات العليا هم عصب الجيش فكيف يحدث ذلك وهناك جزء من أرضنا محتل.
وتابع: “مضت ثلاثة أشهر وفى الأول من أكتوبر تم استدعائنا جميًعا دون نشر الخبر فى وسائل الإعلام كما حدث فى المرة الأولى لنفاجأ بالعبور بعد عودتنا بخمس أيام فقط”.
وأضاف: “قوات العدو لم تفكر ولو للحظة واحدة أن جيش مصر قادر على العبور فكان لديهم علم أن كبار قيادات الجيش فى مكة لتأدية عمرة رمضان، مع خروج حملة المؤهلات العليا من الجيش ولم يتبقى سوى المجندين فقط، فاعتقدوا أن الجيش ضعيف، وجاءت لحظة العبور لتصيبهم بالشلل التام فى التفكير والحركة وتمكنت القوات من تدمير مناطق ارتكازهم فى سيناء”.
وتابع حميد: “كنت فى سرية رادار مسئولة عن مراقبة طيارات العدو وتحديد أماكن تحركها وإبلاغ الكتيبة بها.. يتمحور عملنا فى تحديد مناطق خروج طيارات العدو وإرسال الإحصائيات إلى الكتيبة التى تنقلها للقيادة التى تبحث عن أقرب مطار لتخرج منه طائرة تواجه العدو، وكل هذه الأوامر يتم تنفيذها فى ثوانى معدودة حتى سقوط طائرة العدو”.
وأضاف: “طوال فترة الحرب لم يستشهد أو يُصاب فنى أى من الجنود أو الضباط داخل سرية الرادار رغم أن الجبل كان دائما مشتعلًا من نيران قوات الاحتلال إلا أننا كنا نتمركز داخل ملاجئ فى باطن الجبل”.
مجند فاروق حسن: شعرت بنور الملائكة تحيط بنا يوم العبور
"كان كل تفكيري منصب على قوات العدو وهدفى أن أقتل أكبر عدد منهم لكن ذلك لم يمنعنى بالإحساس بوجود الملائكة حولى فكان نورهم يحيط بى وزملائي فأدركت وقتها أن الله معنا وأرسل ملائكته ليقفوا إلى جانبنا كما أرسلهم لرسولنا يوم موقعه بدر" هكذا بدأ مجند فاروق عبده حسن سلاح مدفعية –دبابات- خلال حرب أكتوبر حديثه عن زكريات الحرب.
وأضاف فى حديثه مع "الدستور": شاهدت العديد من البطولات طوال فترة الحرب، فبالقرب منى وقف مجند على مدفعية وكان يقترب منه إحدى طائرات العدو وصوب المجند المصري سلاحه نحو الطائرة حتى قتل قائدها وسقطت الطائرة عليه واستشهد هو الآخر، ووقت الثغرة كان الجنود يلفون الديناميت حول أجسادهم ويفجروا أنفسهم فى دبابات العدو التى كانت تحاول الدخول إلى مناطق المدنيين فى مدن القناة.
واختتم: "من اللحظات التى لا أنساها عندما أستهدف أحد زملائي وأًصيب فى قدمه التى قطعت على الفور ووجدته مبتسمًا وسعيدًا ويقول لى "إحنا انتصرنا.. ربنا نصرنا" فلم يحزن على جسده وكل ما كان يهمه هو مصر، وكان هذا الشعور هو المسيطر على كل فرد من أفراد القوات المسلحة".