مصححو اللهجة يتحدثون لـ«الدستور».. «الصعيدي» في عيون الدراما المصرية
لا يخلو أي سباق رمضاني من «دراما الصعيد»، لما يتميز به من قصص وحكايات وتراث وعادات وتقاليد أصيلة وأماكن تصوير مميزة وفريدة.
ويشهد رمضان 2021 عرض أكثر من عمل درامي عن الصعيد، مثل مسلسل «نسل الأغرب» بطولة أحمد السقا وأمير كرارة، وكذلك «موسى» بطولة محمد رمضان، فهل أجاد هؤلاء اللهجة الصعيدية؟
في التقرير التالي تحاور «الدستور» متخصصين في اللهجة الصعيدية، حيث يقول أشرف عبد الحميد، إن الأبنودي هو الأب الروحي للمهنة ومسلسل ذئاب الجبل رفع سقف إنتاج الدراما الصعيدية.
ويضيف «عبد الحميد» المعروف بـ«أبو ستيت»: «أثناء إنتاج فيلم «شيء من الخوف» بطولة شادية ومحمود مرسي، تواجد «الخال» عبد الرحمن الأبنودي أثناء تصويره بصفته كاتب الحوار، ليصحح لهجة الممثلين بسبب استفزاره لطريقة نطقهم، والنجاح المبهر للعمل وإشادة الجمهور بإتقان الممثلين للدور والحوار جعل الصناع ينتبهوا لأهمية النطق السليم، واستمر ذلك في «نحن لا نزرع الشوك» بطولة شادية، و«عرق البلح» وكان وجود «الأبنودي» أساسي لإخراج الأفلام معبرة بشكل كامل عن واقع الصعيد، لكن فن الكتابة والحوار الصعيدي ليسوا حكرًا علي «الأبنودي» وحده، حيث ظهر آخرون اهتموا بإنتاج قصص عن واقع الجنوب، ومن أهم الأعمال المصرية التي انتجت كان «ذئاب الجبل» الذي لازال محفورًا في الأذهان، وعمل فيه «أبو ستيت» مساعدا للمخرج وكان المسئول عن تجهيز الأزياء واللوكيشن، وحينما كان يجد الممثليين يخفقوا في مخارج الألفاظ كان ينبه المخرج مجدي أبو عميرة، وهنا وردت له فكرة أن يصبح «أبو ستيت» مصححًا للهجة العمل كله، فكان ابن محافظة سوهاج يلازم الممثلين حتى يجيدوا حفظ الجمل الحوارية بشكل سليم، واقترح عليه الفنان أحمد عبد العزيز، أحد أبطال العمل، تسجيل حوار كل ممثل على شريط كاست يحمله معه ويخفظه منفردًا».
ويتابع: «كان جميع أبطال العمل ينصاعوا لتعليمات المخرج، فكان من حقه إيقاف التصوير في أي لحظة، ومن هنا بدأ على حد ذكره في تأصيل دور مصحح اللهجة حتى باتت مهنة إلزامية يخصص لها ميزانية ضمن العمل، خاصة أن القائم عليها يعطي يومه كله للتواجد أثناء التصوير على عكس الممثل الذي يكتفي بمشاهده ثم ينصرف».
عمل «أبو ستيت» في العديد من الأعمال الشهيرة المهمة في تاريخ الدراما كـ«الضوء الشارد- الفرار من الحب- حلم الجنوبي - الليل وآخره» وفي السينما أفلام عديدة أشهرها «صعيدي رايح جاي».
ويذكر كبير مخرجي الإذاعة المصرية حاليًا أن المصحح مهما كانت إجادته للهجة إلا أنها مقتصرة على بلدته، وهناك فروقات كثيرة بين البلدان في لهجتها وعادتها لابد أن تنعكس على الدراما لذا استقطب عدد مختلف من بلدان متعددة ليدربهم على تحويل النص للهجة الصعيدية مكتوبًا ومنطوقًا، كان من بين هؤلاء عبد النبي الهواري.
◄ عبد النبي الهواي: «أردت أن أجعل المشاهد يميز صحة نطق الممثل لصعيدي»
«الهواري» ابن مركز البلينا بمحافظة سوهاج، قدّم من هناك محبًا للشعر واللغة، تمكن منها فآثر ألا يكون له منتج أدبي خاص لكن يرسخها من خلال النطق السليم في الدراما والسينما، لكي تتداول بين الأجيال وتظل مصانة في التراث، قدمه في البداية أشرف عبد الحميد للمخرج محمد صفاء عامر أثناء العمل في ذئاب الجبل، وعندما كّون أشرف فريق من المصححين كان الهواري ضمنه.
كانت انطلاقة «الهواري» من ذئاب الجبل ودعمه في مهمته أيضُا «الخال» فهم من نفس البلدة وتعرف عليه في إحدى قرى محافظة قنا، وتدعى «فاو» وأرد لنفسه أن يكون سفيرًا للغة، كما كان الأبنوي سفيرًا للاغنية والقصة الصعيدية، وبعد نجاح التجربة الأولى انتقل لأعمال أخرى خاصة أن الأول كان نقلة نوعية إجادة تقدم عمل متكامل الأركان وأصبح سقف لغيره فلم يعد مسموحًا الإخفاق في نطق اللمثلين بركاكة أو تلعثم.
جمعته جلسات عمل مع العديد من الممثلين والممثلات قبل التصوير منهم مثلا الممثل الرائع عبدالله غيث، ونور الشريف ومحمود حميدة وهشام عبد الحميد وجمال راتب وكثيرون غيرهم.
وفي بدايته كان يقتصر تدريبه لفنان أو اثنين على الأكثر تحت إشراف مديره، والضوء الشارد مثلًا كان عليه تجهيز الفنانة رانيا فريد شوقي وكان من الصعب جدًا تعليمها.
ويذكر أن من أهم تجاربه على الإطلاق هو التعامل مع الفنان جميل راتب فهو في الأساس يجيد اللغة الفرنسية وكثيرًا ما مثل بها لذا عند مشاركته في مسلسل «مسألة مبدأ» الذي قام ببطولته مع إلهام شاهين وكان يندهش للكثير من الألفاظ.
«كان تعليم القاهريين للهجة الصعيدية صعبًا، فكيف بممثل من دولة عربية».. هكذا عبر عن تجربته مع الفنان جمال سليمان في حدائق الشيطان، وبعد النجاح الساحق للمسلسل كتبت الصحافة السورية أن عبدالنبي الهواري هو مؤسس الوحدة السورية الصعيدية بالقاهرة، علاوة على ذلك فانه يحتفي كثيرًا بأنه شارك في أخر مسلسلات الراحل نور الشريف الصعيدية «الرحايا».
لـ«الهواري» إسهامات في الدراما مثل «نسر الصعيد» و«أزهار» لفيفي عبده، و«يونس ولد فضة»، وسينمائيًا كان له إسهامات في فيلم «خريف آدم» بطولة هشام عبدالحميد وجيهان فاضل، وتجربته الأبرز هي «الجزيرة» بجزئيه وكانت متعة هذا الفيلم أن أغلبه صوّر في الأقصر والبر الغربي.
◄ بدري السيد: «دور المصحح لا يقتصر على النطق لكنه يجعل كل تفصيلة تلائم الواقع الصعيدي»
بداية بدري السيد صاحب الـ51 عاما، للدخول في مجال تصحيح اللهجة الصعيدية كانت مختلفة، فهو في الأساس مهندس ديكور مسرحي وسينمائي، تعرف على أحمد بدير وعفاف شعيب أثناء أحد المسرحيات وبالمصادفة كانا يشتركا في عمل درامي صعيدي فأقنعاه أن يساهم معهم في تصحيح لهجته ومساره، وذلك شمل النطق والديكور والأزياء.
قضى في هذا التخصص قرابة 20 عاما، وشارك في العديد من الأعمال أهمها «دموع في حضن الجبل، الحرباية، الكبريت الأحمر، الواحة» والأخير كان أصعبها لمشاركة الفنانة مادلين طبر اللبنانية التي أجادت الصعيدية بصعوبة، لكن يعد تعاونه مع الفنان ياسر جلال في «النار والطين» تكونت بينهم صداقة قوية.
وقال «البدري» إن هناك أعمال أضافت له على المستوى اللغوي مثل «الغنايم» حيث تعلم بسببه لهجة «الأسايطة» وكذلك «مزاج الشر».
وأكمل أنه من المسموح أن يتضمن النص عدد من الهفوات ولا يمكن أن تصل جودته 100%، لكن ينبغي أن يكون بناءه منطق يقبله المتلقي الذي بات متذوقًا جيدًا يفوق الناقد الفني، لا سيما في عصر السوشيال ميديا التي تمثل مقصلة للممثل والكاتب.