حكايات مكرم.. اعترافات نقيب الصحفيين الأسبق عن الكبار
الكثير من الحكايات في دفتر نقيب الصحفيين الراحل مكرم محمد أحمد، والذي رحل اليوم عن عالمنا، والكثير من الكتابات التي خطها بيده في شخصيات مصرية كبيرة، وفي هذا التقرير نرصد كتابات مكرم محمد أحمد عن الكبار هيكل وبهاء الدين وغيرهم..
هذه قصة لقائي بهيكل
تحدث أولا عن محمد حسنين هيكل قائلًا:"للحق أقول أنه لم تكن لي علاقة إطلاقا بمحمد حسنين هيكل قبل أن يأتي للاهرام، وكان لقائي الأول به قصة لا انساها، كنت كما ذكرت محررا للحوادث في الجريدة، وحدث أن وقعت جريمة قتل في المتحف القبطي، وكلفني رئيس قسم الحادث يومها الأستاذ محمود عبد العزيز بتحقيق الحادث ومتابعته، وكتبت تقريا عنوانه "جريمة في المتحف القبطي"، نشرته الجريدة، وفي صباح يوم النشر فوجئت عند دخولي الجريدة بمن يخبرني أنني مطلوب فورا في مكتب الأستاذ هيكل، وشعرت بالخوف وراحت الظنون تتقافز إلى عقلي، ماذا فعلت حتي يطلبني هيكل بالاسم؟".
وتابع:"هنا وقبل أن استكمل الواقعة لا بد أن اشير إلى تقليد عظيم كان موجودا في ذلك الزمن، فقبل أن يجلس هيكل على مكتبه في التاسعة من صباح كل يوم، كان لا بد أن يكون على مكتبه تقرير اسمه "تقرير تخلف وانفراد واشادة"، يعده واحد من أفدم محرري الجريدة، وأكثرهم خبرة، يتولى قراءة كل الصحف الصادرة ويحدد الأخبار التي انفردت بها وتخلفت عنها الأهرام، وكذلك ما انفردت به صحيفته ويستحق الاشادة، وكان هيكل يقرأ التقرير بدقة ويرسله على رؤساء الأقسام قبل موعد اجتماعاتهم اليومية في العاشرة صباحا، وكنا ندخل الاجتماع ونحن في حالة رعب من تقرير التخلف والانفراد الذي يترتب عليه الثواب والعقاب".
وواصل:"ودخلت على سكرتارية هيكل خائا اترقب، وكانت مديرة مكتبه شخصية نافذة وقوية هي السيدة نوال المحلاوي، وقدمت لها نفسي وأخبرتها أنني مطلوب عند الأستاذ هيكل فأشارت لي بالدخول وهي تنبهني بتهديد مستتر، "اتفضل بس متطولش"، وعادت لي روحي عندما استقبلني هيكل منفردا وهو يكشف لي سر الاستدعاء قائلا:" انت كاتب انهارده ستوري جميلة ثم سألني انت مرتبك كام؟، وأخبرته أن قرار تعيننا لم يصدر بعد وأن مرتبي بعد توقيع العقد 12 جنيها، فقال بحسم:"اعتبر نفسك متعين"، وبعد رجوعي إلى مكتبي بدقائق فوجئت بأن هيكل أرسل إلى رئيس قسم الحوادث خطابا يشيد فيه بالمحرر مكرم محمد أحمد ويبدي إعجابه بموضوع المتحف القبطي، ويعلن عن مكافأتي ويطلب من رئيس القسم أن يتلو هذا الخطاب عليهم بنصه في الاجتماع الصباحي، وكان ذلك أول لقاء لي بهيكل.
هذا هو.. فاروق حسني
كتب مكرم محمد أحمد عام 2007 في جريدة المصور مقالا عنونه بـ"فاروق حسني.. وإعادة الحياة والبريق"، قال فيه لعل واحدة من أهم ميزات الفنان فاروق حسني وزير الثقافة هو إحساسه المرهف بالأمكنة القديمة، وقدرته الفريدة على اكتشاف جمالها الأصيل الذي يتخفى خلف الخرائب والأطلال"
لست من المداحين الذين يكيلون الثناء جزافا لكل مسئول مصري لكنني أحس مسئولية خاصة تجاه الجهد الكبير الذي بذله وزير الثقافة المصري الفنان فاروق حسني على امتدا سنوات خدمته في إحياء عدد من الآثار الفرعونية والقبطية والإسلامية وفي المقدمة ترميم أبو الهول وفق أساليب علمية صحيحة، وفي إنشاء عدد من المتاحف الجميلة.
عن القدوة.. الدكتور محمد غنيم
بتاريخ 2000 كتب مكرم محمد أحمد مقالا في الدكتور محمد غنيم تحت عنوان"محمد غنيم ومركزه الطبي في المنصورة"، قال فيه:"للباحثين عن قدوة صحيحة في زمن أصبح فيه من يقدمون الصالح العام على النفع الشخصي عملة نادرة فهناك مثال يكاد لفرط ترفعه عما هو شائع في مجتمعه ان يكون قديسا، هو استاذ جامعي وهب نفسه للصالح الوطني، لم يستنزف نفسه جريا وراء أهداف خاصة كي يصنع لنفسه ثروة طائلة، ربما كان أحق بها من غيره، ثمنا لكفاءته العلمية كطبيب عالم ومهارته الفائقة كجراح عالمي السمعة، ولم يبدد عمره في ركاب أصحاب السطوة أو اصحاب النفوذ كي يرقي سلم الوظيفة أو يختصر طرق النجاح.
ولأنه يمثل نموذجا جادا ونادرا استطاع محمد غنيم العالم المصري النابه والجراح العظيم وابن البلد المعجون بخبرات شعبه أن يحظى باحترام الدولة والمجتمع اللذين عاوناه على بناء صرح طبي ضخم في المنصورة هو بكل المعايير مفخرة مصرية لأنه يجسد المثال الذي تتكامل فيه كل عناصر الرعاية المجانية للمريض على أحين ما يكون.
كاتب مجيد.. أحمد بهاء الدين
كتب مكرم محمد أحمد بتاريخ 1996 مقالا في المصور تحت عنوان "رحيل كاتب مجيد"، قال فيه:"لا أظن أن كاتبا عربيا حى بهذا القدر من المصداقية التي حظى بها أحمد بهاء الدين، ولا أظن أن كاتبا كابد ما كابده حفاظا على مصداقيته، ولآخر سطر كتبه ظل بهاء عنوان على صدق الكلمة وأمانة الرأي".
كان بهاء كاتبا مسئولا يتنفس هموم وطنه، يثقل ضميره أمانة الكلمة ومسئوليتها، لم يكن بهاء يملك هذه القدرة العلمية التي يتمتع بها الكثيرون احترفوا الكتابة لكنهم يتعاملون مع الأحداث من الخارج، ولا يسمحون لأي حدث مما تكن فداحتهان يفسد حياتهم أو يؤثر في مشاعرهم الا بقدر محدود".
لم يكن بهاء يكتب بدمه وأعصابه وبرغم هدوئه الظاهري كانت الأحداث المؤلمة تنهش روحه وتعتصر داخله وتلزمه تواضع كاتب مهموم بمسئولية..