محمود عوض عبد العال.. الأديب المنسي في الحياة والرحيل
كتب الراحل محمود عوض عبد العال، الروائي السكندري، روايته الأولى «سُكّر مُرّ» وهو لا يزال طالبا في الجامعة سنة 1969، ونشرت في 1970، ليكتشف النقاد أنه سطر دون أن يدري أول رواية عربية تكتب بتكنيك تيار الوعي، ليؤطر لهذا النوع من الكتابة في مصر، وشارك في انتفاضة الطلبة عام 1968، وكان ضابط احتياط في سلاح النقل أيام حرب أكتوبر 1973.
وتمرد على مركزية الثقافة في القاهرة، وقرر أن يؤسس تجمعا ثقافيا لأدباء الإسكندرية أسماه «أقلام الصحوة»، ليكون نافذة لهم على القراء، بعيدًا عن سيطرة أدباء العاصمة، وابتعد لسنوات عن المشهد الثقافي، ثم عاد برواية «ظابط احتياط» في يده، وتصدر في ذكرى نصر أكتوبر، والتي سطر فيها تجربته.
عاش الروائي السكندري في صمت مع كتابته، واختفى لفترة عن الجميع، معتكفا في محراب الكتابة، قبل أن يقرر العودة من جديد عام 2012، برواية ضابط احتياط، ثم رحل في صمت، في الساعات الأولى من صباح اليوم، 13 أبريل، عن عمر ناهز 78 عامًا، وذلك بعد صراع طويل مع المرض ولم تشتعل السوشيال ميديا لخبر رحيله؛ رغم أنه أحد أهم الأدباء في جيله!
صدرت روايته الأولى «سكر مر» عام 1970، وكانت الأولى في اللغة العربية التي تُكتب بتكنيك تيار الوعي، وتوالت الأعمال، لكن رغم ذلك ظل بعيدا عن زخم المشهد الثقافي الظاهري، واشتباك المصالح الثقافية.
يقول محمود عوض عبد العال عبد العال عن ذلك في مقابلة قبل رحيله مع محرر “الدستور”: "كانت العقيدة المتبعة في ذلك الوقت أن كتَّاب الأقاليم دائما منسيون، وكنا نريد أن نخرج من هذه الدائرة التي فرضتها علينا مركزية الثقافة في محافظة القاهرة، وفكرة أن نأتي إلى القاهرة لمحاولة إيجاد مكان لنا ككتاب وأدباء شباب كانت من الصعوبة بمكان، لذلك أسست سنة 1972 تجمُّع للفنانين التشكيليين والكتاب المتميزين من الشباب، وكان تجمُّعنا في أتيليه الإسكندرية، وأطلقنا على التجمع اسم «أقلام الصحوة» وكان يضم بجانب الكتاب والأدباء أكثر من 38 فنانًا تشكيليًّا. وتجمع الأدباء والفنانين التشكيليين أسس نوعًا من التكاتف، واقترح التشكيليون تنظيم معرض فني، وتبرعوا ببعض أعمالهم لنتمكن من طبع أول مجلة لنا سنة 1972، ثم تطورت الفكرة لنطبع الأعمال الأولى للكتاب الشباب عن طريق جمعية تعاونية تشاركنا فيها لمواجهة تكاليف النشر التي لم نكن نقدر عليها".
يضيف عبد العال: "أضف إلى ذلك أننا أنشأنا أفكارا مغايرة لمحاولة إلقاء الضوء على أدب الأقاليم، فكنا نؤسس مسابقة باسم روائي غير معروف من بيننا ويشارك فيها أدباء من محافظات مختلفة، وكنا نهدف بذلك إلى أن نساعد بعضنا البعض لنكبر وننافس، كان هناك وقتها نشاط وحب غير عادي".
بمرور السنين انتهى هذا النمط من التكاتف، حتى بين أدباء المحافظات المصرية البعيدة عن المركز، يفسر عبد العال:"أخلاقيات ذلك الوقت كانت عالية جدا، كان هناك احترام شديد، رواية «سكر مر» ذهبت بها إلى يحيى حقي في منزله في القاهرة، ونظرا لكبر سنه وعدم قدرته على القراءة كنت أذهب إليه يوميا على مدار أربعة أيام في السابعة صباحا، لأقرأ عليه صفحات الرواية، وكنت أقطن في «بنسيون» في محطة رمسيس حتى إذا انتهيت منها قال: «أنا مشفق عليك، دي رواية تكتبها وأنت عندك 70 سنة»".
رواية «سكر مر»، للروائي الراحل، محمود عوض عبد العال، كانت أول رواية كتبت بالعربية بتكنيك تيار الوعي، وكان لا يزال طالبا في الجامعة، يتذكر عبد العال تلك الفترة:"لم أكن أعرف هذ التكنيك عندما كتبتها، الذي تنبه لهذا التكنيك في الرواية الدكتور «حمدي السكوت» الأستاذ بالجامعة الأمريكية، الذي قرأها وكانت لا تزال مخطوطا، وذهلت من رؤية "السكوت" وأصبحت قلقا وبدأت أسعى لفهم ماذا كتبت، فأعطيتها لرجاء النقاش، فقال إنها كتابة جديدة، وذهبت بها إلى غالي شكري، فأعجبته جدا وقال إنها رواية طليعية، وعن طريقه وصلت إلى صبحي الشاروني وكان يطبع سلسلة اسمها كتابات معاصرة، فنشرت رواية "سكر مر".