«من دفتر حكايات أبطال العزل».. طبيبة: تركت بناتي للعمل بالحجر الصحي
في بطولات الجيش الأبيض كان للمرأة دور كبير في مواجهة فيروس كورونا المستجد داخل جدران مستشفيات الحجر الصحي في مصر، حيث سطرت اسمها بأحرف من نور.
وفي السياق، حاورت «الدستور» الدكتورة نفيسة رضوان محمد رضوان، طبيب أمراض باطنة عامة ومتخصصة في مكافحة فيروس كورونا بمستشفى إسنا التخصصي بمحافظة الأقصر، حيث قالت: «من أول يوم سمعت عن الوباء الذي اجتاح العالم كان عندي فضول المعرفة خصوصًا وأنا بشوف الخوف في عيون الشعوب الأوربية من هذا الوباء».
وأضافت: «مع ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد، وفي ظل لحظات الرعب التي انتابت قلوب المصريين من هذا المرض، لم يكن أمامي إلا العمل والمشاركة في الحجر الصحي، والالتزام بواجبي الذي أقسمت على أن أؤديه في أحلك الظروف، لذلك كان قراري هو التطوع بكامل الرضا والسرور للعمل في الحجر الصحي».
وتابعت: «بالرغم من كوني أم لطفلتين (أمال وإيناس) تتراوح أعمارهم بين ٣ سنين و٤ سنين، كما أن والدتي ووالدي توفاهم الله، إلا أني لم اتخاذل عن أداء واجبي في مساعدة مصابي فيروس كورونا ذلك الوباء الذي حل على العالم دون وجود.. لو ماما عايشة كانت هتشجعني أول ما أقول إني هروح العزل الصحي لعلاج مصابي كورونا بالرغم أن إخواتي وأقاربي قالو عليا مجنونة علشان بخاطر بنفسي خصوصًا أن الفيروس كان في شدة شراسته وعدد الوفيات في أغنى دول العالم يرعب أي حد».
وقالت: «يقيني بالله كان الداعم والدافع الأساسي في إصراري على مواصلة العمل بالحجر الصحي، دون الشعور باليأس الذي انتاب بعض الأطباء نتيجة للعمل المتواصل مع الضغط النفسي والعصبي خوفًا من الإصابة بفيروس كورونا الذي لم يخترع العالم علاج له حتى، إلا أني عملت في الحجر الصحي في مستشفى إسنا التخصصي بمساندة أشقائي.. لحظات شديدة الصعوبة شعرت بها، بعدما قررت العمل في الحجر الصحي وأعددت نفسي للتوجه إلى مستشفى إسنا التخصصي، حينما وقف أشقائي لتوديعي، وكأنني لم تسمح لي الحياة لرؤيتهم مرة أخرى، وودعت بناتي وتركتهم في رعاية الله عز وجل».
وأوضحت: «في طريقي إلى العزل الصحي، شعرت أنني في طريقي للعمل في مهمة حربية ولكن لا أعرف العدو الذي أحاربه، وحينها استمعت لصوتي بداخلي يقول أنا مش أقل وطنية من الجندي اللي بيحارب على الحدود، ولحظة وصولي لمستشفى إسنا للحجر الصحي، تملكني شعور بالخوف لكني كنت أدعم نفسي وأحاول من رفع عزيمتي بمقولة واحدة يومين واعتاد على المكان، لكن الأحداث توالت وتسارعت ولم أفكر في هذه المقولة وكنت أركز هدفي على العمل في علاج المصابين بفيروس كورونا المستجد».
وتابعت: «في حياتي مررت بالعديد من الأمور الصعبة، لكن أوقاتي في الحجر الصحي كانت لها طابع خاص حتى في أصعب الأوقات، لكن لعل أبرز هذه الأوقات الصعبة، هي وفاة حالة صغيرة في السن كانت في بداية عملي في الحجر الصحي، وفي هذا الوقت شعرت وكأنها أحد أفراد أسرتي، وفي موقف صعب أخر، كان هو سؤال ابنتي إيناس الصغيرة عن موعد عودتي للمنزل، ولم يكن لدي إجابة صريحة لأخبرها عن موعد عودتي إليها، وذلك نتيجة للعمل المتواصل وعدم تحديد موعد للإجازة».
واستكملت: «شعور عظيم بفرحة الانتصار عندما مرت الأيام الخطيرة في أزمة كورونا على مصر بسلام الرغم من عدد الإصابات والوفيات المرتفعة لكنها لم تكن بضخامة الأعداد التي وصلت إليها العديد من دول العالم المتقدمة التي أودى الفيروس فيها على حياة عشرات الآلاف من المواطنين، ومرت أيام العزل بخير وسلام والواحد وكنت أشعر بأني في غاية الفرح بأني أقدم خدمة لبلدي وأهلي وأني استطعت أني أوفي حق بلدي عليا، لأن الوطن بحاجة للتكاتف والتعاون بين أفراد الشعب جميعهم من أجل الوصول به إلى الأمان، وفي العزل اختلفت الحياة، لكنها كانت مليئة بالضحكات على بعض المواقف والبكاء على فقدان أشخاص بعد معاناتهم مع المرض، والتعارف على أشخاص جديدة سواء زملاء في العمل أو مرضى دفعهم الفيروس في خلق صداقات معهم، وساعدت كل هذه الأمور على تجاوز الأوقات الصعبة والاستمتاع باللحظات السعيدة التي تمر على عليهم في الحجر الصحي، وجعلتني أعرف معنى جديد للحياة أن أبسط الأمور التي تمر عليا في الحياة ولابد أن أحاول الاستمتاع بها لأقصى درجة وأن أتخلى واعتزل كل ما يمكن أن يسبب لي ضغوط وأن ابتعد عن كل ما يمكن أن يخلق الضيق بداخلي».
وقالت: «في أعقاب عودتي إلى منزلي وأسرتي مرة أخرى، ما كان لي إلا الالتزام بالإجراءات الوقائية لضمان حماية عائلتي وأطفال من الإصابة بفيروس كورونا، لذلك عمدت إلى العزل المنزلي، من للاطمئنان على أني لا أعاني من الإصابة بالفيروس.. في أوقات عزلي المنزلي لم أتوقف عن العمل في مساعدة المواطنين من خلال الاستشارات الطبية عبر الهاتف، من العديد من الأشخاص الذين أعرفهم أو لا أعرفهم، وهو ما كان يزيد من فرحتي، لأنني بالرغم من عودتي من الحجر الصحي وعملي المباشر مع مصابي كورونا، إلا أن ثقة المواطنين دفعتهم إلى طلب الاستشارة عبر الهاتف، لذلك استمرت في التواصل مع المواطنين لمساعدتهم وخصوصًا مع ازدياد عدد حالات الإصابة، وحينها قررت العودة للعمل مرة أخرى للعمل في مستشفى إسنا للحجر الصحي».
وتابعت: «في عودتي إلى الحجر الصحي مرة أخرى واجهت رفض شديد من أسرتي، لأنه خلال هذه الأيام كان هناك تزايد في أعداد حالات الوفيات من الأطقم الطبية، نتيجة لإصابتهم بفيروس كورونا المستجد، إلا أنني قررت العودة مرة أخرى، وللمرة الثانية يعود إلى الحنين لأسرتي وبناتي، لكن إيماني بعملي كان أكبر دافع بأني أساعد أشخاص في الحفاظ على حياتهم كما أمرنا الله عز وجل، وهو الخير الذي حصدته بفخر أسرتي وعائلتي بي وشعورهم أني أسير على خطى والدي رحمه الله الذي كان جندي من أبناء الجيش المصري والذي استشهد في حرب 6 أكتوبر عام 1973، بالإضافة إلى أنني كنت أشارك في توعية المواطنين على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» وعبر الهاتف».
وأكدت أن العمل في الحجر الصحي خلال شهر رمضان الماضي، كان شديد الصعوبة بالنسبة لي كوني أعمل في أثناء الصيام والضغط والإرهاق، لكني كنت أحارب كل هذه الأمور بالصبر والإيمان والطاقة الإيجابية الكبيرة التي كنت أنشرها في المستشفى وأحسن بها حالتي النفسية لمواصلة العمل بجهد وإصرار.. إلى المواطنين في كل أنحاء الجمهورية، أوجه رسالتي في أثناء مواصلة الحرب على فيروس كورونا المستجد بضرورة الالتزام بإجراءات العزل المنزلي في حالة ظهور أعراض طفيفة للمرض على أحد المواطنين، والحفاظ على مسافة الأمان بين الأشخاص وبعضها والحرص على ارتداء الكمامات في أماكن التجمعات واستخدام الكحوليات وعدم التهاون في هذه الأمور لكي تمر هذه الفترة على مصر وشعبها بخير وسلام وأمان».