الإحم والدستور
الكحة، أو السعال أو القحاب، كل دي دوال لـ نفس المدلول، اللي هو صوت يصدر عن الإنسان، لما تكون عنده مشكلة ما (أو مشاكل) في طريقة التنفس.
الصوت دا يصدر بـ صورة تلقائية، لا يتحكم فيها الإنسان، لكن البشر يقدروا يحاكوا هذا الصوت، يقلدوه يعني، هو بـ يبقى مصطنع طبعا، إنما شبيه بـ صوت الكحة.
ليه يعمل كدا؟لـ التنبيه في سياقات مختلفة، يعني مثلا، المومسات وبنات الليل، كانوا "بـ يكحوا" كدا كحة مميزة شوية، خصوصا في التجمعات، عشان تنبه الزبون المحتمل ليها، وإنها جاية في المصلحة.
عشان كدا، سموا المومس "قحبة" (لا مؤاخذة في اللفظ)، أي "التي تقحب"، وزي ما قلت لك في الأول، القحاب = السعال = الكحة.
التنبيه بـ هذه الطريقة أو بـ استخدام الكحة عموما، غير قاصر على هذا الموقف، وإنما في مواقف كتيرة، يهمني منها هنا، هو الاستئذان، عند اقتحام مكان لا يخصك، داخل بيت مثلا، أو إنت في بيت، فـ رايح الحمام.
وإنت في الطريق "بـ تتنحنح"، علشان تنبه أصحاب المكان، إنك مقبل على اقتحامه، وساعتها، بـ يبقى الصوت دا محتشم طبعا، فـ يبقى "إحم"، مش زي قحاب المومس.
فـ "إحم"بقت كلمة دالة على الاستئذان بـ هذه الطريقة، واللياقة عند اقتحام أماكن الآخرين، "إحم" أو "النحنحة" أو "الكحة الاصطناعية" ديمش هي طريقة الوحيدة لـ الاستئذان، فيه طرق تانية متعددة، إحنا مش روبوتس، ولا إحنا شلة واحدة، ليها طريقة موحدة.
إنما فيه طرق أكثر شيوعا من غيرها، وإذا كانت "إحم" واحدة من هذه الطرق، فـ برضه كلمة "دستور"واحدة من الطرق الشهيرة دي.
"دستور" دي أنا شفتها بـ عيني كتير في طفولتنا كانت الستات الكبار، لما ييجوا يدخلوا بيت تاني في القرية، مش بيتها، تزعق من بره "دستوووور".
أكيد استخدام الدال هنا مالوش أدنى علاقة، بـ الدستور اللي هو القانون الأعلى لـ البلد، إنما هي أصلا كلمة فارسية، دخلت مصر في حوالي القرن الـ 17، ومعناها الحرفي "صاحب القاعدة". فـ كـ إنه البيت دا "قاعدة"وإنت بـ تنادي على صاحبها.
بعدييييين بقى لما جم يعملوا "الدستور"، سموه بـ هذا الاسم، يعني هذا الكتاب هو "صاحب القاعدة"، إنما فضل استخدام الدال في حالة "الاستئذان قبل الاقتحام"، ودي اللي منها "دستور يا أسيادنا".
أسيادنا هنا هم الجن، فـ كـ إنك كداعايز تقول إنك تقتحم شئون الجن، فـ بـ تستأذن منهم، كـ إنك داخل بيتهم.
"إحم" و"دستور" إذن، من أشهر وسائل "الاستئذان قبل الاقتحام"، وأكثرها شيوعا، فـ لما ييجي حد عايزين نقول إنه قليل الذوق عديم اللياقة، اقتحم أمرا ما، او مكانا ما لا يخصه، دونما الاستئذان المطلوب، فـ نقول:
دخل كدا "من غير إحم ولا دستور"، وهذا التعبير، نقصد "من غير إحم ولا دستور"موجود في الثقافة المصرية، على الأقل من القرن الـ 19، لـ إني لما سألت عليه الجدات في بلدنا، وأنا صغير، قالوا لي إنهم وارثينه عن جداتهم، ومالوش أدنى علاقة بـ دستور 1923 اللي اتلغى سنة 1930، ولا بـ احتجاج المصريين على إلغائه، زي ما بـ يقول مقال لقيته فجأة منتشر في السوشيال ميديا.
آه، وبـ المناسبة، بولاق اسمها بولاق، قبل ما ييجي الفرنساويين خالص، والدكرور دا شيخ من مالي، وبولاق الدكرور، مالهاش أدنى علاقة بـ العبارة الفرنسية "بولاق دي كير" بس دا موضوع تاني خالص، ابقى فكروني أحكيهولك.