مارادونا تاني
عم فلان الفلاني (وليكن اسمه مثلا فتحي إبراهيم) كان راجل كريه في حتتنا، عنده محل، بـ يبيع فيه كمون وينسون وأعشاب، وأشياء من هذا القبيل، وكان بخيل بـ صورة كارتونية، اللي هو بخلاء أفلام زمان، أكثر واقعية منه.
بخلهكان بـ يتخطى الفلوس، الابتسامة، الكلمة الطيبة، المقابلة الحلوة، كل دي حاجات، مش ممكن يديها لك عم فتحي، ويديها لك ليه؟هو ما يعرفش الفعل "ادى"، نهائي.
لو حظك وقعك، واضطريت تعدي على عم حسين، هـ تعيش لحظات كرب.
من أسوأ الأشياء في الدنيا، حذر الإنسان من أخيه الإنسان، الحذرأثقل على النفس حتى من العداوة، وهو لـ بخله الشديد، كان يعامل الناس جميعا بـ الحذر، كل البشر بـ النسبة له، لصوص محتملين، جايين "ياخدوا" منه شيء.
إنما المأساة، ما كانتش في عم فتحي خالص، كانت في ابنه فؤاد، لـ إنه فتحي كبر، وجاله شلل، وبقى مطلوب من ابنه فؤاد يدير له الدكانة والبيت، فـ كان فؤاد شايل شيلة أبوه، كـ إنه صليبه في الحياة.
لو كان أبوه دا مات، كانت هانت، لكنه عايش، عايش بـ بخله وحذره وسيرته، وكانت حالته الصعبة، مخلية فؤاد عايش في كهربا دايمة، هو مش عايز خالصأبوه في هذا المرض، يحس إنه استغل عجزه، وداير يبعزق في اللي عاش يحوشه، هو في النهاية أبوه.
بقى فؤاد أكثر بخلا وحذرا، لـ إنه مش بخيل أصلاني، دا بـ يتكلف الحرص، فـ زاد على بخله وحذره، حالة دائمة من الغضب والكرب، لـ إنه مش عارفيلاقيها من أبوه ولا من الناس.
أبوهاللي كل يوم يبكته، عشان شلن ناقص، ولا قرشين كانوا ممكن ييجوا وماجوش، ومهما بالغ في إرضاؤه، ما بـ يرضاش. والناس اللي بـ تدفعه تمن اللي عمله أبوه، كان فؤاد مصنع غم.
في ذلك اليوم، ماما بعتتني لـ دكان عم حسين، اللي واقف فيه سمير، أشتري أعشاب مش فاهم هي إيه، ودا كان بـ النسبة لي، أمر مزدوج العبء، اللي هو الشوط التاني قرب يبتدي، وكدا هـ يفوتني منه حبة حلوين، وعشان أروح فين؟لـ فؤاد ابن فتحي إبراهيم.
لما وصلت الدكان، كان الشوط هـ يبدأ، فـ لقيته، ويا لـ المعجزة،مبتسم ابتسامة عريضة، وقاعد في غاية الانسجام، قلت له:يا عم فؤاد، عايز كذا وكذا وكذا، قلتهم بـ سرعة عشان ما أنساش حاجة، فـ قال لي:
إزيك، عامل إيه؟وبابا عامل إيه؟ليك في الكورة؟
قلت له:يا عم فؤاد، أنا مستعجل، قال لي:والنبي لـ تقعد تتفرج معايا، وأنا هـ أقول لهم في البيت، إني أنا اللي أخرتك، اقعد ما تكسفنيش، وأنا فاكر اللي إنت قلته.
قعدت، خمس دقايق، واندمجنا في الماتش، وبقى كل همنا، كل لحظة، إمتى الكورة هـ تيجي لـ مارادونا.
شوية، جه الجون الأول، وتمام، ثم جات لحظة المعجزة، لما مارادونا استلم الكورة في نص ملعبه، وبدأ يشق طريقه لـ المرمى.
المعجزة، إنه فؤاد راح قايم من مكانه، وقعد يقول: إيه دا؟إيه دا؟إيه دا؟ثم لما دخلت الكورة الجون، وقف في وسط الدكان يرقص. ما كانش فؤاد اللي أعرفه خالص، مش دا فؤاد ابن فتحي إبراهيم، كان "فرحان".
ما كنتش متخيل إطلاقا، إنه فيه أي قوة على وجه الأرض، تخليني أشوف سمير فرحان.
خلص الماتش، فـ اداني كل اللي عايزه، وما رضيش ياخد فلوس خالص، وقفل الدكان، وروح معايا البيت، ونده على أبويا، وقعد يستسمحه إني اتأخرت، وكان بـ يضحك، وكان الشارع كله مستغرب، من اللحظة اللي ما حصلتش قبل كدا، وما اتكررتش تاني.
من ساعتها، حبيت مارادونا.