أطماع الجوار: «سد الأزمات» يطور سبل التعاون بين مصر والسودان
تحديات مشتركة تواجه مصر والسودان كانت وراء أهمية تطوير التعاون وتنمية العلاقات بين البلدين، وهو ما تحرص عليه القاهرة دومًا طوال تاريخها مع الجار السوداني؛ حفاظًا على الأمن القومي الذي لا يمكن أن يتجزأ.
كما أن تلاقي المصالح حول المهددات المتوقعة من إسقاطات سد النهضة إلى إضفاء نوع من التقارب بين البلدين وإعلان الرئيس السيسي دعمه الكامل للسودان، مشددًا على أن "أمنه واستقراره جزء لا يتجزأ من أمن مصر واستقرارها"، وقال إن للقاهرة نهج استراتيجي لدعم كل جوانب العلاقات الثنائية مع الخرطوم من أجل التعاون والبناء والتنمية، وذلك "ترسيخًا للشراكة والعلاقات بين الشعبين"، وأعرب الرئيس السيسي عن مساندة القاهرة لكل جهود تعزيز السلام والاستقرار في السودان الشقيق خلال تلك المرحلة المفصلية من تاريخه.
ومن أبرز التحديات المشتركة بين البلدين:
سد النهضة الإثيوبي
يعد ملف سد النهضة أحد الملفات الرئيسية المقرر نقاشها خلال زيارة الرئيس السيسي للخرطوم، خاصة بعد قرار أديس أبابا بدء الملء الثاني في يوليو المقبل سواء حدث اتفاق أم لم يحدث، وذلك ينطوي على خطورة بالغة على الأوضاع في المنطقة إذا لم يتم اتفاق ملزم قبل مرحلة الملء باعتبار أن اكتمال المرحلة الثانية يجعل من الصعب تغيير الأوضاع ويصبح الخطر واقعًا، واقترحت السودان إجراء مباحثات رباعية بحيث يتم إشراك وسطاء بجانب الاتحاد الإفريقي، وأن تكون المشاركة مباشرة، بدلًا عن النمط القديم الذي تسعى أديس أبابا عبره لكسب الوقت وصولًا لاتفاق يكون مقبولًا لكل الأطراف، وهذا مهم للدول الثلاث والإقليم ويكون مشروع تعاون يدعم السلام وليس مهددًا له.
واقترحت السودان توسيع مظلة التفاوض بإضافة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بقيادة الاتحاد الإفريقي في دورته الجديدة برئاسة دولة الكونغو الديمقراطية، الطرح السوداني يأتي على خلفية ما شاهدته المفاوضات والمباحثات السابقة التي استمرت طويلًا دون إحراز أى تقدم في حل الخلافات الفنية والقانونية بين الدول الثلاث.
ثمة متغيرات جديدة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي أثرت على مواصلة الحراك في قضية سد النهضة الإثيوبي، كما أن شعور السودان بالتهديد والخطر، خاصة بعد إعلان وإصرار الدولة الإثيوبية للملء الثاني لبحيرة السد في يوليو المقبل التي تبلغ 13.5 مليار متر مكعب من المياه دون التوصل إلى اتفاقية فنية وقانونية وما حدث فى الملء الأول للبحيرة من تأثيرات سلبية على محطات مياه الشرب والإمداد الكهربائي، مما يعد تهديدًا للأمن القومى والسدود السودائية خاصة في الروصيرص وسنار، وتهديد 20 مليون مواطن يقطون أسفل النيل الأزرق، وهو الأمر الذي أدى لتحرك الدولة السودانية للحفاظ على مشاريعها المائية والاقتصادية عن طريق التحرك الدبلوماسي الإقليمي والدولي، وتوضيح تهديدات سد النهضة الإثيوبي عن طريق المقترح القاصى بإشراك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأمريقي، وهو الطرح الذي وافقت عليه مصر وفى انتظار ما يسفر عن ذلك الطرح من الدولة الإثيوبية والأطراف المعنية الأخرى.
كما يعد انتخاب الكونغو رئيسًا للاتحاد الإفريقي من المتغيرات التى ساعدت على التحرك في قضية سد النهضة باعتبار حرصها على التوصل إلى حلول لقضايا القارة الأمريقية المختلفة، والتي على رأسها قضية سد النهضة، وذلك من خلال التحرك مؤخرًا لوفد الخبراء الكونغولي، والذى يمثله رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، رئيس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي برؤساء دول وأعضاء وفد التفاوض في كل من السودان ومصر كل على حدة، لمعرفة آخر التطورات في ملف سد النهضة لبداية التحرك الفاعل للوصول إلى حلول توافقية بين الدول الثلاث، باعتبار الكسب السياسي لدولة الكونغو الديمقراطية وقدرة الاتحاد الإفريقي في حلحلة قضايا الاتحاد الإفريقى الشائكة.
التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا
فضلًا عن التوتر القائم بسبب سد النهضة، شهدت العلاقات بين الخرطوم وأديس أبابا خلال الأسابيع القليلة الماضية تصعيدًا متزايدًا على خلفية اتهامات متبادلة باختراقات حدودية، ويدور النزاع السوداني الإثيوبي حول منطقة تعرف باسم "الفشقة"، حيث يلتقي شمال غرب منطقة أمهرة الإثيوبية بولاية القضارف السودانية.
واتهم الجيش السوداني منتصف يناير طائرة عسكرية إثيوبية باختراق المجال الجوى السوداني، ووصفت الخرطوم حينها السلوك الإثيوبي بـ"التصعيد الخطير وغير المبرر" لكن في المقابل، اتهمت أديس أبابا القوات المسلحة السودانية بـ"التوغل في الأراضى الإثيوبية واحتلال مزارع ونهب ممتلكات".
ويربط مراقبون بين ملف سد النهضة وتجدد التوتر الحدودى بين الخرطوم وأديس أبابا من جهة والتقارب المصرى السوداني من جهة أخرى، وما زاد الأمر صعوبة هي المواقف المتطرفة للقيادة الإثيوبية والتى جعلت المواجهة محتملة.
أمن البحر الأحمر
يعد أمن البحر الأحمر ملفًا مهمًا للدولتين، لذا فإن التعاون مهم للغاية حتى يكون البحر الأحمر منطقة خالية من القواعد العسكرية الأجنبية، خاصة في أعقاب ظهور بعض السفن الحربية، كما لا يستبعد مناقشة التعاون الثلاثي بين الخرطوم والقاهرة وجوبا.
كما أن التحالفات أو الاتفاقيات العسكرية مع مصر بمثابة إشارة لمن يهمه الأمر بأن السودان خط أحمر وأن يمثل العمق والأمن القومى المصرى، لذلك لن تسمح القاهرة بأى تهديد للخرطوم يؤثر في أمنها القومى، كما أن وجود قواعد أمريكية وروسية على ساحل البحر الأحمر يجعل السودان رقمًا لا يمكن تجاوزه في المنطقة، بالتالي فإن مصر تريد أن يكون لها وجود في السودان يتيح لها متابعة التطورات السياسية والعسكرية مما يجعل عينها على مناطق التأثير والاهتمام في البلاد.
كما أن ما حدث بشأن السيطرة على الموانئ السودانية بوصول تركيا لاستئجار ميناء سواكن، والعرضين الإماراتي والقطرى لتأهيل ميناء بورتسودان، ثم قدوم واشنطن وموسكو لسواحل السودان الشرقية يجعل حرب الموانى دافعًا لمصر لتكون قريبة من أى تطورات فى هذا الاتجاه حتى لا تتأثر قناة السويس باعتبارها عصب الاقتصاد المصري".