البوصة بـ تفرق
20 بوصة، دا كان المقاس النموذجي لـ تليفزيونات زمان، كان فيه 14 و16بوصة، إنما ما كانش منتشر، وتقريبا مفيش بيت بـ يعتمد عليهم، هو العشرين بوصة ده، تلاقيه موجود في كل مكان.
ولـ إنه المقاس واحد، انتشر دولاب كده، مصمم لـ الحفاظ على التليفزيون، كان له تصميم، بـ حيث يبقى متعدد المنافع، وشكله يسر الناظرين، ويبهر الضيوف.
فضلنا ع العشرين بوصة ده حينا من الدهر، ثم فيه شركة، نزلت تليفزيون 21 بوصة، وعملت إعلانات عن هذا المنتج، كانت فكرتها، إنك ما تستهونش بـ إنه الزيادة بوصة واحدة.
كان بـ يعرض مشاهد، ثم توسع الشاشة هذه البوصة الواحدة، فـ تشوف المشهد بـ طريقة مختلفة تماما، ثم ينزل السلوجان: "البوصة تفرق".
الإعلان ده من الحاجات اللي أثرت فيّ تماما، حقيقي، كل ما بـ توسع المشهد، ولو بوصة واحدة، بـ تقدر تشوف أكتر، وربما تاخد فكرة أعمق، أو حتى فكرة مختلفة تماما.
دا بـ يحصل معايا كتير، في جمل مشهورة، من نصوص أدبية أو أعمال فنية وخلافه، تشوف مثلا شطر المتنبي: "مصائب قوم عند قوم فوائد". هذه الجملة كده بـ تدي إيحاء إنه هذا الأمر "قد" يحدث، وإنه "أحيانا"تحصل مصيبة لـ حد، فـ تحقق فايدة لـ حد تاني.
إنما لما نوسع المشهد شوية، نلاقي الشطر الأول هو الصادم في الموضوع: "بذا قضت الأيام ما بين أهلها"، اللي هو يا معلم، دا مش أمر استثنائي، زي الموسم الاستثنائي كده، دي هى "قاعدة الحياة"، الأيام "قضت بهذا"، خلصنا.
أي مصيبة بـ تحصل في الكون لـ حد، لازم ولابد تحقق فوائد لـ ناس تانيين، حتى الحروب، فيه أثرياء حرب، بـ يعيشوا حياة مرفهة بـ سببها، الكوارث، الأوبئة، الطواعين، مفيش ملمة من الملمات بـ تحصل، دون أن يكون هناك مستفيد، سواء بـ قصد منه، أو هى جت كده.
دا قانون الطبيعة ذاتها، شوف، حتى إنت عشان تعيش، لازم تلتهم كائنات تانية، حيوانات أو نباتات، والأسد عشان يعيش، لازم يأكل الغزال، والغزال عشان يعيش، لازم يقضي ع العشب، وعشان يفضل فيه ناس بـ تتولد، لازم يفضل فيه ناس بـ تموت: "بذا قضت الأيام ما بين أهلها".
على نفس الشاكلة مثلا، جملة "كل حلفائك خانوك يا ريتشارد"، مين فينا مش حافظ الجملة؟والأسى اللي بـ يقول بيها حمدي غيث، إنما بـ النسبة لي، مش الجملة دي هى الموضوع، الحدوتة كلها في الجملة اللي بعدها: "واليوم آرثر الأمين".
القصة مش في "خيانة الحلفاء"، كلنا بـ نتعرض لـ الغدر، بـ درجات ونسب مختلفة: في الشغل/ مع الجيران/ في اللعب، تلاقي حليفك باعك، إنما موضوع ريتشارد كان في "آرثر الأمين" تحديدًا، هنا الوجيعة اللي بـ جد.
طول الوقت، المفروض فيه حد، مهما "حلفاؤك خانوك"، بـ تلاقيه في ضهرك ومعاك، ولو بـ التعاطف، لما الحد ده تحديدًا، ينضم لـ طابور الحلفاء الخونة، يمكن هنا بس تاخد بالك إنه "حلفاؤك خانوك"، لـ ذلك كانت قفلة الجملة: "الكل باطل".
أظن إن المشهد ده، والفكرة دي، متأثرة شويتين بـ شكسبير، في "يوليوس قيصر"، تحديدًا: "حتى أنت يا بروتس"، لما يوليوس قيصر، وقف يتلقى الطعنات، وما كانش عنده رد فعل، ولا حتى حاجة توحي بـ الألم.
لـ حد ما جت له الطعنة القاتلة، من أقرب المقربين له "بروتس"، فـ قال له الجملة، اللي بقت مشهورة، بـ كل لغات العالم، إنما أنا اللي بـ تقتلني فعلا، جملة بعدها مش دي، لما يقول: "إذن فليمت قيصر".
الموضوع مش في صدمته، نتيجة انضمام بروتس لـ الطاعنين، إنما في شعوره، إنه كده خلاص، يموت بقى ومش هـ تفرق، وكـ إن بروتس بـ اللي عمله، خدم يوليوس قيصر، لـ إنه خلاه يموت مرتاح، أو خلينا نقول، يرضى بـ الموت من غير مناهدة.
حتى بعيد عن كل هذا النكد، في فيلم "مراتي مدير عام"، لما المديرة بـ تسأل الأستاذ أبوالخير: "هم سموك أبوالخير ليه؟"، الإيفيه ده مشهور أوي، وإجابته ليها: "من أعمالي".
إنما اللي بـ يضحكني هنا، مش جملة من أعمالي، دي كنت متوقعها تماما، أنا وقعت لما قال "أيوه والله"، اللي هو راجل كذاب، وعارف إنه كذاب، وعارف إنها عارفة إنه كذاب.
بس هو برضه لازم يستمر في الكذب، فـ محتاج جدا يأكد بـ "أيوه والله"، وأظن إن دي مش من السيناريو، أكيد إضافة من الدقن نفسه، وربما من فطين، أصلها ما تخطرش على بال المؤلف، لازم تيجي من الأداء.
وهكذا طول ما إنت ماشي، تلاقي البوصة بـ تفرق، زي كده ما تيجي تعرّف نادي، فـ تقول عنه: "نادي القرن"، وتيجي تعرف نادي تاني، فـ تقول: نادي القرن "الحقيقي".